آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

أبي ورحلة الوداع .. سيظل قلبي رافضًا أن يُرثيك وعزائي أنك من الشهداء

اليمن اليوم-

أبي ورحلة الوداع  سيظل قلبي رافضًا أن يُرثيك وعزائي أنك من الشهداء

بقلم / سمر عبد الرحمن

أتذكّر ذلك اليوم الذي وافق الـ23 من آب\غسطس الماضي، حين مرضت يا أبي، لحظات أليمة وعصيبة، أطباء لا يعلمون ما بك، ذهبنا بك مسرعين قبل طلوع الشمس إلى مستشفى جامعة المنصورة، انتظرنا الطبيب فأسرع إلينا وقتها طبيب شاب ووقع الكشف عليك وطلب منّا إجراء بعض الأشعة والتحاليل، خرجنا إلى مركز الأشعة وقلبي غير مطمئن إلى أن عدنا إليه بالنتيجة، أخبرنا وقتها، بحقيقة المرض "اللعين" الذي أصاب جسدك، شعرت وقتها بأنّ الدنيا أظلمت، بدأنا في رحلة العلاج لكني  لم أكن أتوقع أنها رحلة "الوداع"، لم أكن أعلم أنها بداية النهاية، بدأناها في مركز جراحة الجهاز الهضمي مُجمّلين بالأمل فى إستئصال "العلة"، كان القرار صعبًا لكننا اتخذناه معًا، كنت بين يدي الله وخيرة أطباء مصر، لحظات انتظار تطول ودعوات تتسابق إلى السماء، وبعد 9 ساعات كاملة خرجوا علينا مؤكدين عدم استطاعتهم إجراء العملية، ليبدأ فصلًا جديدًا من فصول الألم، وبنفس راضية بابتلاء الله وجدتك قويًا متماسكًا لا تستسلم، لكنني كنت بحاجة لمزيد من الوقت لاستيعاب حالتك الجديدة، بدانا رحلة "العلاج الكيميائي" في مركز أورام المنصورة، واثقين في الله أننا سنعود بك مجبورين الخاطر، رغم الحيرة والقلق التي كنت ألمحهما في عينيّ "أمي"  كنت أواسيها في كل لحظة وأنت تُصارع الألم الذي لم يكن سهلًت علينا .

بدأت العلاج وعلى شفتيك ابتسامة دائمة، ما أروعها تلك الابتسامة التي كانت ترتسم على شفتيك، كنّا مجروحين لما أصابك لكننا راضين بقضاء الله، لكنّك أيّها الحنون كنت تستشعر قدر الله المحتوم في الوقت الذي كنا نجهله، 8 أشهر كاملة وأنت تتعاطى  العلاج، نذهب معك ولا نفارقك أبداً، كان الأمل ينمو في قلوبنا بأنّ الله سيمُنّ عليك بالشفاء، كنا نحلم بأن تسترد صحتك كما كنت، لكن الله لم يشأ، مرحلة جديدة من الألم ومشاكل أخرى لم تكن في الحسبان، عدنا للحظات البداية بعد أن عبرنا مئات الخطوات، نستشير طبيبًا هنا وآخر هناك، نذهب بك من مستشفى إلى آخر لعلنا نجد دواء لعلتك لكنك كنت تشعر بما لا نشعر به .

خلال فترة مرضك، كنت تحرص على الود ولقاء الأحبة والذهاب إلى مسجدك الذي تُشيده، كنت تذهب لتقديم واجب العزاء في من توفى في بلدتنا والقرى المجاورة، فأتذكر ذلك  اليوم الذي كنت فيه وهنا من شدة الألم وأصريت على الذهاب لتقديم واجب العزاء في قرية مجاورة، يا له من مرض "لعين"، رأيت الكثير ممّن سبقوك لكني لم أفهم أنك في طريقك إليهم، الأطباء أكدوا لي أنّ أيامك معدودة لكني لم أصدق وكان ردي أنّ الله سبحانه وتعالى  يعلم الغيب وما دامت بك الروح فنحن معك إلى آخر لحظة، رحلة علاج طويلة وشاقة، الوهن كان يزيد لكن كانت كل الأمور تسير في يسر وأنت الذي تعلم أنه لا فائدة من ذلك، كنت أضحك حينما أسمع كلماتك التي توصيني أنا وأمي وأخوتي بأشياء كثيرة خاصة في الشهر الكريم، كنت أسعد بدعواتك لنا جميعًا ونعلم أنّها بأذن الله مُستجابة.

طلبت منا  في أخر أيامك أن نعود بك من المستشفى إلى بيتك لتموت بين أبنائك، كان القرار صعباً لكني عجزت أمام رغبتك فلبيتها، عدنا ونحن غير مدركين أنّها النهايات، هلل وجهك فرحًا عندما وصلت إلى منزلك ورأيت أبناءك وأقاربك وأحفادك وأحبابك، امتنعت عن أخذ العلاج والذهاب لاستكمال جلسات الغسيل الكلى لكنّنا أقنعناك إلى أن ذهبت معنا لاستكماله في مستشفى قريب بدلًا من المنصورة .

رحلة جلسات الغسيل الكلى لم تدم طويلًا لكنك كنت تشعر بأن الموت قريبًا، إذ قلت لي أنا "كويس لا أشعر بأي شيء في جسدي"، فرحت بتلك الكلمات لكنني لم أعلم أنها "صحوة الموت"، لم أعلم أنك كنت تودّعنا، عشت ليلتك تناديني في دقائق معدودة وتقول لي "يلا بنا نذهب حتّى لا نتأخر عن موعدنا" وأنا أقول لك لا زال أمامنا متسعً من الوقت، جاهلة بأنها كانت الساعات الأخيرة، ذهبنا وانهيت علاجك في المستشفى وذهبنا إلى عيادة أخرى وقمنا بتمضيد جرحك الآخر وخرجنا من المستشفى، ضممتك إلى صدري أثناء عودتنا إلى المنزل لكني شعرت بنبضك يتوقف فصرخت في وجه أخي "بابا نبضه وقف لفّ وارجع بسرعة ودينا لأي دكتور" كان شقيقى يقود السيارة كالمجنون إلى أن وصلنا مرة أخرى إلى الطبيب فأخبرنا قائلًا "البقاء لله"، ظللت أصرخ وأدعي من الله ألّا تكون قد فارقت الحياة فكيف لي أن أصدق هذا، أيقظك، أتحدث معك، لكن دون فائدة، لكني حمدت الله انّك مُت بين يدي وكنت آخر من قبّله وفي خدمته أنا وأشقائي ووالدتي .

كنت تقول لنا أريد أن أموت ليلة العيد مثل "والدتي" وأن أُدفن عصر أخر يوم في شهر رمضان الكريم لكنني كنت أمازحك وأقول لك في أي ساعة أخبرك الله سبحانه تعالى أن تموت، كنت أجهل كلماتك لم أعلم بأن القدر المحتوم قريبًا،  ولم أتوقع أنّ الله سيستجيب لك وقد كان، فعزائي الوحيد أنّ الله سبحانه وتعالى تقبّلك في ساعة العتق من النار، وتمنيت من الله سبحانه وتعالى أن يتقبله من الشهداء لأنه مات "مبطونًا"، يا لها من فرحة مشهده وعزائه ويا لها من بهجة حينما تسابق 4 من مشايخ الأوقاف لإلقاء الخطب في المسجد على جسدك الطاهر.
 
 يا لها من لحظات قاسية مرّت كالسنوات، لم أكن أتخيل أننا سنفقدك بسهولة، أصوات صراخ وبكاء تتخالط بالدموع، دعوات تتصاعد من محبيك إلى السماء، أعداد غفيرة تواسيني، وجوه يُخيّم عليها الحزن، كانت ساعات مؤلمة ومؤثرة، ذهبت معك إلى القبر رافضة تركك، متمسكة بوداعك لأخر لحظة، عاهدتك أنا وأشقائي ووالدتي أن نبقى على تواصل مع من تُحب وأن نُكمل المسجد الذي تبرعت ببنائه، وستظلّ وصاياك عقدًا يزيّن درب كلّ من رآك وعرفك، لكن يا أبي أخبرني كيف أتحمّل ألم فراقك وأنت الذي كنت تشد من أزري في كلّ  شدة أمرّ بها، أخبرني كيف أنسى وجهك الذي كان يشع نورًا لحظة وفاتك، أخبرني كيف أخرج إلى عملي ولن تطمئن عليّ بعد اليوم، أخبرني يا حبيبى كيف لي أن أنام دون تقبيلك، أخبرني ما هذا الرضا من الله عليك، رحمك الله يا أبي وأسكنك فسيح جنات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبي ورحلة الوداع  سيظل قلبي رافضًا أن يُرثيك وعزائي أنك من الشهداء أبي ورحلة الوداع  سيظل قلبي رافضًا أن يُرثيك وعزائي أنك من الشهداء



GMT 14:42 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

”أعطنى مسرحًا أُعطِكَ شعبًا مثقفًا”

GMT 14:13 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

العمق الثقافي اللبناني

GMT 17:39 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 19:04 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 22:15 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 14:52 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

GMT 06:52 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

​عبدالرحمن الأبنودي شاعر الغلابة

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 11:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

زوجة تضع المنوّم لزوجها لتتمكن من خيانته مع جارهما

GMT 03:09 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قاوم شهيتك وضعفك أمام المأكولات الدسمة

GMT 23:33 2021 الثلاثاء ,13 تموز / يوليو

مقتل لاعب نادٍ يمني شهير في مواجهات البيضاء

GMT 03:55 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

علي الديك يؤكّد أن شقيقه حسين "مثل ابنه" وينفي الخلاف

GMT 02:06 2017 السبت ,10 حزيران / يونيو

«مؤامرة» على قطر!

GMT 21:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

آبل تطلق هاتفا يدعم شبكات "5G"
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen