آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

اقتلوهم... اقتلوا أنفسكم

اليمن اليوم-

اقتلوهم اقتلوا أنفسكم

بقلم/ حازم صاغية

مع كلّ عمليّة إرهابيّة، كتلك التي ضربت لندن قبل أيّام، يعلو في الغرب صوتان يتردّدان في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ خصوصاً، لكنْ أيضاً في كلام الحزبيّين وبعض الساسة الشعبويّين. هما بالطبع ليسا الصوتين الوحيدين في الغرب، لكنّهما مسموعان بما فيه الكفاية.

صوت «يمينيّ» يمكن تلخيص دعوته بـ «اقتلوهم لأنّهم يستحقّون». الـ «هم» عائدة اليوم إلى المسلمين. وصوت «يساريّ»سبق أن أسماه الكاتب البريطانيّ نِك كوهين: «اقتلونا لأنّنا نستحقّ». الـ «نا» عائدة إلى الغربيّين أنفسهم.

الصوت «اليمينيّ» صوت غريزة وماهيّة: المسلم إرهابيّ (مع أنّ منفّذ عمليّة لندن مسيحيّ متحوّل إلى الإسلام). الإسلام إرهاب. الخطر لا يُعالَج إلاّ بالتشدّد الأمنيّ. بالقسوة والإخضاع. في السنتين الأخيرتين صارت تُضاف استعادات من التاريخ: الحروب الصليبيّة، إسبانيا، التهديد التركيّ لفيينا... إذاً كنّا دائماً هكذا: نحن وهم. نحن الخير والحبّ. هم الشرّ والكراهية. بيد أنّ الغضب الذي في هذا الصوت قابل للتوظيف الذي تُصمَّم نتائجه المهولة بدم بارد: الحرب على الإرهاب، وآخر استعراضاتها في الموصل. بناء الجدران. إجراءات تمييزيّة وزجريّة...

الصوت «اليساريّ»، في المقابل، صوت أبوّة كاذبة. هنا، يسود تسفيل النفس ظاهراً لإعلائها ضمناً: نحن في وسعنا أن نفعل كلّ الخير لكنّنا لا نفعل إلاّ كلّ الشرّ. نحن، الذين نملك كلّ مؤهّلات الأبوّة المثاليّة، لا نمارس على الأبناء إلاّ القسوة الوحشيّة. هذا لا يليق بنا ولا يُشبهنا. إنّه يستدعي تعريضنا للعقاب. الإرهاب الذي نتعرّض له هو هذا العقاب العادل.

التاريخ، هنا أيضاً، لا بدّ منه، إنّما يُروى على نحو مقلوب: من إبادة الهنود الحمر إلى حرب العراق في 2003، مع كلّ ما يتوسّط هذين المنعطفين الكبيرين من أحداث عدوان وحروب. الرأسماليّة وفلسطين عنوانان ثابتان في مطالعة الندب واللطم هذه.

التاريخ، في الحالتين، كثير الاستحضار، إلاّ أنّه قليل التحوّلات. إنّه الماضي إذاً وليس التاريخ.
الجامع بين الصوتين «اليمينيّ» واليساريّ» أنّهما لا يقدّمان تفسيراً للظاهرة ولا يجيبان عن أسئلة محدّدة: لماذا الآن وليس في التسعينات مثلاً؟ جماعة «اقتلوهم» لا تشرح حاجة بلدانها إلى علاقات مفيدة وضروريّة مع بلدانـ «ـهم». جماعة «اقتلونا» لا تشرح توق المظلوين الأبديّين إلى الهجرة – لجوءاً أو طلباً للعمل أو العلم أو الحرّيّة – إلى بلدان الظالمين الأبديّين.

وعن صدمة العمليّة الإرهابيّة حين تحصل، لا يظهر، في هذه البيئة، تفكير جديد: ما علاقة العمليّة الإرهابيّة بسياسات التسامح، الهجرة، فرص العمل، الحرّيّة والاستبداد والتعليم في بلدان المنشأ، أوضاع الإصلاح الدينيّ، الحروب ورضوضها... التفكير الجديد الذي يحاول اللحاق بجدّة الحدث يأتي من بيئات أخرى، أشدّ تعقّلاً وسياسةً وأقلّ إيديولوجيّةً. أمّا هنا، فيصار على العكس، وللمرّة الألف، إلى توكيد المعتقد الأصليّ: المسلمون كلّهم دروع بشريّة، أو المسلمون كلّهم ضحايا... المسلمون أعداء للحداثة، أو لا مشكلة بين الإسلام والحداثة... المسلمون يكرهون الغربيّين، أو الغربيّون يكرهون المسلمين. هذا يشبه تمام الشبه طرقنا في التأويل: ما إن تحصل عمليّة إرهابيّة، وأحياناً قبل أن تحصل، حتّى ترتفع أصواتنا الأكثر تمثيليّةً محدّدةً من «يقفون وراءها»: الإخوان. أميركا. حماس. إسرائيل. إيران. وقد أضاف مؤخّراً رجب أردوغان: العمّال الكردستانيّ.

ارتفاع هذين الصوتين النقيضين في الغرب دليل آخر على توسّع الرقعة الشعبويّة في الفكر والسلوك الغربيّين. إنّه دليل آخر على انكماش السياسة. على محاصرة الغضب للعقل ومحاصرة «ما بعد الحقيقة»، أي الكذب، للحقيقة.المعرفة الاتّهاميّة، والحال هذه، تأتي من عالم صوفيّ: الباطن لا يتجلّى إلاّ للحميم المتماهي.

أغلب الظنّ أنّه بات لدينا من القتل ما يكفي. كثيرون جدّاً «منّا» و»منهم» قُتلوا. الداعون إلى قتل الآخر، أو قتل النفس، لا يفعلون إلاّ تعزيز الإرهاب، مرّة يعزّزونه بالوحشيّة ومرّة بالتدليس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقتلوهم اقتلوا أنفسكم اقتلوهم اقتلوا أنفسكم



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 23:44 2016 الأحد ,29 أيار / مايو

كريم طبيعي وبسيط يزيل رائحة العرق بسهولة

GMT 01:36 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

جامعات يابانية تستعرض برامجها الدراسية في "نجاح 2016"

GMT 14:51 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بدر الشعيبي ينشر صورة طفلته الجديدة على موقع "إنستغرام"

GMT 22:15 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

المؤتمر الوطني يعتمد تشكيل حكومة الوفاق الوطني

GMT 06:57 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 3

GMT 09:22 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مليارات من الجراد تجتاح كينيا

GMT 13:21 2021 الجمعة ,02 تموز / يوليو

السيارات الطائرة ستصبح حقيقة بحلول 2030
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen