آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

ممانعة «النقد الذاتيّ»

اليمن اليوم-

ممانعة «النقد الذاتيّ»

بقلم / حازم صاغية

من كان راغباً في خفض وزنه، فليركب أوّل طائرة إلى كاراكاس. هذه ليست دعاية لفعاليّة أنظمة «الريجيم» في فنزويلّا. إنّها إدانة.

ففي ذاك البلد الغنيّ بالنفط، خسر المواطن الفنزويلّيّ المتوسّط، العام الماضي، 9 كيلوغرامات من وزنه. أضافت «فاينانشال تايمز» المعروفة برصانتها، أنّ اللاجئين يتدفّقون على البرازيل وكولومبيا. ففضلاً عن الجوع، وتراجع الواردات من الموادّ الغذائيّة بنسبة تفوق الـ70 في المئة، يدفع انهيار النظام الصحّيّ الأمّهات الحوامل إلى عبور الحدود للولادة.

إلى ذلك، صارت فنزويلّا محطّة عبور أساسيّة للكوكايين المهرّب إلى أفريقيا ومنها إلى أوروبا. لقد اجتمع في رزمة واحدة تضخّم فلكيّ وفساد مستشرٍ وركود يقضم الاقتصاد، معطوفاً على نقص الموادّ الغذائيّة.

تراجع قدرة النظام على ممارسة الرشوة، عبر الاستعانة بالريوع النفطيّة، زاد في الاحتقان. منذ نيسان (إبريل) تتوالى تظاهرات الاحتجاج وإضراباته. عشرات القتلى سقطوا. صدامات الشوارع باتت يوميّة بين المتظاهرين ورجال الأمن ومعهم زعران السلطة. الرهان يتزايد على انضمام أبناء الطبقات الأفقر، الذين فقدوا ما كانت تدرّه عليهم الرشوة الشافيزيّة، إلى الطبقة الوسطى المعارضة.

الرئيس نيكولاس مادورو لا يتنازل ولا يُجري انتخابات عامّة. هذا الاستئثار بالسلطة، على رغم كلّ شيء، له سوابقه ومقدّماته: في 1999، حين أعاد هوغو شافيز كتابة الدستور، تكهّن بأنّ دستوره الجديد سيعيش «قروناً». لكنّ خليفته مادورو الذي طالب بدستور جديد بدل ذاك الجديد!، دعا أيضاً إلى إنشاء «جمعيّة شعبيّة» تكون سلطة عليا لا حاجة معها إلى انتخابات أو أحزاب. إذاً، في وسع هذه «الجمعيّة» أن تحكم إلى الأبد.

أمام هذه المصاعب وهذا التزمّت، يبقى «الحلّ» الذي تظهر عليه بصمات كوريا الشماليّة و «حزب الله» اللبنانيّ: صراخاً عن المؤامرة الأميركيّة لإسقاط النظام، وما نقلته وكالة «رويترز» عن «وثيقة عسكريّة» توضح «أنّ فنزويلّا تمتلك خمسة آلاف صاروخ أرض – جوّ تُطلَق من الكتف، وهي من صنع روسيا». إذاً، لا تقربوا من ذاك البلد. إنّه مخيف.

فنزويلّا لم تفتك بها حرب أهليّة لكي تصبح ما أصبحته. فتكت بها اشتراكيّة شافيز ومادورو، أي ما وصفته نظريّة «المراحل الخمس» الستالينيّة بأنّه الطور الأعلى للتطوّر الإنسانيّ. على أرض الواقع، كانت تلك الاشتراكيّة أقصر الطرق إلى صوملة فنزويلّا.

النتيجة البائسة التي انتهت إليها تجربة شافيز – مادورو سبب آخر للشكّ في رجاحة اليسار الشعبويّ عندنا وفي العالم. عندنا: صارت فنزويلّا تلك قلعة إسناد للممانعة والمقاومة... في العالم: صارت من قلاع التصدّي للإمبرياليّة الأميركيّة. في الحالتين، هي قلعة من قشّ.

والحال أنّ اليسار يُكثر من استخدام «النقد الذاتيّ»، وهو تقليد ربّما استُلهم من «مِيا كولبا» (إنّه ذنبي) اللاتينيّة والكنسيّة. لكنّ اليسار يستخدم هذا التقليد أكثر ما يستخدمه في معرض الاعتذار عن مخالفة القائد والقيادة. فالمخالف، إذ يعترف ويتراجع، يجدّد انضواءه في القطيع ووقوفه وراء التيس. لقد انهار خلال سنة واحدة أكثر من عشرة أنظمة في أوروبا الوسطى والشرقيّة. كلّها كانت اشتراكيّة، وكلّها جاء سقوطها بعد سقوط الشقيق السوفياتيّ الأكبر. النقد الذاتيّ كان قليلاً جدّاً، وكان لا يُقارَن قياساً بالكوارث الحاصلة. بعض هذا النقد الذاتيّ القليل أكّد أنّ دول المنظومة الاشتراكيّة افتقرت إلى الديموقراطيّة، وهو ما أدّى إلى إسقاطها.

 لكنّ الأخيرة لو كانت ديموقراطيّة، لسقطت قبل عشرات السنين على تاريخ سقوطها الفعليّ. ثمّ إنّ هذا النقد الذاتيّ يهين الاشتراكيّة والديموقراطيّة معاً: الأولى يعلنها ناقصةً لا تكتمل بذاتها، بل تلزمها الديموقراطيّة، والثانية يتعامل معها كأنّها زائدة يمكن إلصاقها بنظام يتحكّم بالاقتصاد إنتاجاً وتوزيعاً، وهكذا تُحلّ المشكلة.

في أيّة حال، يمكن اليساريّين أن يعوّضوا جزئيّاً ما فاتهم حيال أوروبا بممارسة بعض النقد الذاتيّ في شأن الفضيحة الفنزويلّيّة وتراث شافيز. ذلك أجدى من الاتّكال الكاذب والكسول على ثنائيّ «الصواريخ» و «المؤامرة الأميركيّة». هذا كي لا يمضي وزن العقول في الانخفاض، بعد الانخفاض الذي ألمّ بوزن الأجسام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ممانعة «النقد الذاتيّ» ممانعة «النقد الذاتيّ»



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

تفاصيل وطرق تطور صناعة القش في البلدان العربية

GMT 18:21 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقع خلّابة ومميزة زوريها في مالطا لشهر العسل

GMT 00:18 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

عبد المجيد الرافعي يعتبر ذاكرة مدينة طرابلس

GMT 01:29 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

هاني جهشان يبيّن أن القتل الجماعي للأسرة ظاهرة خطيرة

GMT 11:31 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

غريفيث يزور مسقط غدًا السبت لإنعاش المفاوضات
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen