القاهرة– منى عبدالناصر
طالت موجة من ارتفاع الأسعار جميع السلع الحيوية في مصر عقب قرارات البنك المركزي الأخيرة بالتحرير التدريجي لسعر الصرف وخفض قيمة العملة المحلية "الجنيه" أمام الدولار، وهو ما يظهر مخاوف من ظهور موجة تضخمية تجتاح الأسواق، تؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية للدخول والرواتب، وتضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
الاقتصاديون اختلفوا في آرائهم حول طبيعة تأثيرات هذه القرارات على السوق، ومدى خطورة ارتفاع معدلات التضخم على المستهلكين من المواطنين بمختلف مستوياتهم المعيشية، لاسيما في ظل حالة العشوائية التي يعانيها السوق المصري، حيث يستجيب بسرعة شديدة لارتفاع الأسعار، في حين تأتي الاستجابة أقل سرعة بكثير نحو خفض الأسعار، وبالتالي تظل التأثيرات السلبية على السوق لفترات طويلة.
وترى أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، الدكتور عالية المهدي، أن تخفيض الجنيه لن يرفع الأسعار سوى بنسبة 4% فقط، وهي نسبة بسيطة قياسًا لإيجابيات القرار، هذا من الناحية النظرية، أما الواقع فهو أكثر تعقيدًا على حد تعبيرها، لوجود أسباب لارتفاع الأسعار ليس لها علاقة بسعر الصرف، وهذه الأسباب كما تفندها أستاذ الاقتصاد تتمثل في طباعة النقود بصورة زائدة من دون وجود إنتاج مقابل، وهو ما يتسبب في مزيد من ارتفاع الأسعار وبالتالي معدلات التضخم، بالإضافة إلى عدم انضباط الأسواق ولاسيما أسعار نقل الميكروباص وغيرها من خدمات ومنتجات تقدم أو تمسّ الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فتزيد أسعارها من دون وجود سبب موضوعي لذلك، ومن ثم يجب ضبط هذا القطاع للنقل وباقي محلات تجارة التجزئة الصغيرة.
وأكدت المهدي ضرورة الاهتمام بالخطاب السياسي للشعب، ودعوة الأفراد للالتزام بتثبيت الأسعار لأيّة سلعة أو خدمة يقدمونها على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة، والتزام الحكومة بعدم زيادة الأجور لأيّة فئة خلال العام المقبل يساهم بشكل أساسي في تهدئة والحد من القوى الشرائية، مما يحد من حدوث قفزات كبيرة لمعدل التضخم، وأشارت إلى أن التحركات الأخيرة برفع سعر الفائدة على الجنيه المصري قد تكون عنصرًا مساعدًا أيضًا، في امتصاص السيولة من السوق والحد من التضخم.
وقلّل وزير المال الأسبق الدكتور أحمد جلال، من خطورة ارتفاع معدل التضخم نتيجة خفض قيمة الجنيه لفترة من الوقت حتى استقرار السوق، مشيرًا إلى أن التضخم بلغت نسبته في مصر 23% في فترة سابقة، وفي البرازيل والأرجنتين كان بالآلاف، ووصل إلى 70% في تركيا لمدة 10 أعوام، وأن الزيادة المؤقتة للتضخم لن تتسبب في أزمة حقيقية للاقتصاد، لكن مع تطبيق برامج العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص من جوانب عدة في إصلاح التعليم والصحة والإنفاق الاستثمارى على البنية الأساسية، نافيًا وجود ضريبة تصاعدية حقيقية في مصر.
وأكد جلال أن الحل الحقيقي لحماية أصحاب الدخول المحدودة هو الاتجاه للدعم النقدي وزيادة الدعم السلعي للطبقة الفقيرة، وأن قرار البنك المركزي بخفض قيمة الجنيه هو خطوة جاءت كبداية لتصحيح الوضع، منتقدًا تأخرها، واعتبرها غير كافية، مطالبًا بمزيد من قرار الخفض لتقترب أسعار السوق السوداء من السعر الرسمي، بل والقضاء على وجود سعرين عندما يترك تحديد السعر للعرض والطلب، وإقرار نظام متكامل للسياسة النقدية، بعيدًا عن سعر الصرف الذي يجب أن يترك ليتحرك في إطاره الحقيقي، وإيجاد أدوات نقدية لمواجهة التضخم، لافتًا إلى أن البنك المركزي أعلن استهدافه معدل تضخم يدور حول 10%.
وجاءت نظرة المؤسسات الدولية أكثر تشاؤمًا على صعيد توقعات التضخم في مصر، حيث توقعت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش"، في تقرير لها الأسبوع الماضي، أنه نتيجة تخفيض الجنيه الذي رأته خطوة إيجابية، فمن المتوقع أن مصر ستواجه "عامًا صعبًا يشهد ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم وحاجات تمويلية كبيرة"، بينما قال البنك المركزي في بيان عقب قرار الخفض إنه وضع خطة شاملة لتصحيح أوضاع سوق النقد، تقوم على انتهاج سياسة "أكثر مرونة" في ما يتعلق بسعر الصرف و"استعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة".
وفي تقرير أصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية أحد أهم المراكز البحثية المحلية، قال إن الوضع الحالي بالنسبة إلى معدلات التضخم لازال يعوق زيادة انعكاس النمو الاقتصادي على معيشة المواطن المصري الذي يشهد تآكلًا في مستوى الدخل الحقيقي نتيجة النمو المستمر في الأسعار، وأن للتضخم أسباب عدة أهمها ضعف الإنتاج المحلي وعجز الميزان التجاري، مؤكدًا أن الحل الأمثل في محاربة التضخم هو زيادة الإنتاج مما يؤدي إلى خفض التكلفة الإنتاجية وزيادة المعروض من المنتجات وبالتالي خفض الأسعار، بالإضافة إلى ضرورة تحديد أهداف معينة للسياسات المالية والتحويلات الرسمية للبرامج الاجتماعية والمصروفات الرأسمالية، فضلاً عن إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص لإقامة مشاريع البنية التحتية.
وأكد التقرير ضرورة أن يتضمن برنامج الحكومة خطوة أولى نحو إعادة هيكلة الدعم تشمل بدء إنشاء قاعدة بيانات موحدة للمواطنين، مما سيحسن قدرة الدولة علي ضبط مستحقي الدعم ورفع جودة الخدمات العامة والجهاز الإداري، وتبدأ هذه الخطوة بربط كافة المعاملات الخاصة بالمواطن بالرقم القومي بحيث يكون تسجيله على شبكة بطاقات التموين وبطاقات الكروت الذكية للبنزين والتأمينات الاجتماعية والضرائب والجمارك بذات الرقم القومي، ومن خلال برنامج قاعدة بيانات المواطنين يمكن إلكترونيًا ودون الحاجة للتدخل البشري تحديد مستحقي الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية والوصول إلى الأسر الأشد فقرًا في المجتمع، كما ستجري فور إتمام قاعدة بيانات المواطنين مراجعة ليس فقط للدعم التمويني ولكن لكل دعم آخر يمكن أن يكونوا حاصلين عليه أو مؤهلين أو متقدمين للحصول عليه، مع الربط بين المعاشات ومساعدات الضمان الاجتماعي الأخرى.
وطالب المركز المصري بإعادة هيكلة منظومة التجارة الداخلية هيكلة شاملة سواء على المستوي الفني أو التنظيمي أو التشريعي بما يشمل إصلاحات في الأفكار والتطبيقات التي تعتمد عليها حيث يجب أن يتم تنظيم الأسواق لإلغاء دور الوسطاء وتشديد آليات الرقابة والعقوبات لمنع حدوث تضخم غير عادي ناتج عن عدم الرقابة على الأسواق وعدم تنظيمها، وإن اختلفت رؤى الخبراء وتوقعات مراكز الأبحاث حول مؤشرات التضخم التي تقود اقتصاديات الدول لما لا يحمد عقباه، فإن ما يهم المواطن البسيط هو أن يحصل على سلعة أو خدمة باستطاعته دفع ثمنها، لا يهمه قرارات السياسة النقدية أو مؤشرات السياسة المالية، لكن يهمه في النهاية أن يحيا بصورة كريمة ويجد متطلباته بأسعار مناسبة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر