آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

رواية "بعد رحيل الصمت" تقنية ثقافة الحظر

اليمن اليوم-

رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر

حامد عبدالحسين حميدي
بقلم - حامد عبدالحسين حميدي

إن جدلية الصمت في الروايات المعاصرة باتت تشكّل هاجسًا لأكثر الروائيين، لأنها تمثل المتنفس الذي من خلاله يستطيعون سبر اغوار الذات المتأزمة، الذات التي لا تهدأ إلا على مطبّات الحياة، وهي تحاول أن تنتشل ما حولها في باكورة احتجاجاتها. هذا التصاعد في تفعيل تلك المفردة ومحاولة شدها إلى اصولها الخطابية وبكل غاياتها. لتتحول إلى مدلولات ذات انطباعات غائية، تحمل في مضامينها سبب لجوء الروائي " عبدالرضا صالح محمد " إلى اعتماد عنونة روايته " بعد رحيل الصمت " الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت الطبعة الأولى 2013.
 
مدخلًا تتضح من خلاله تقنية ثقافة الحظر عما يجول في دواخلنا ومصادرة كل ما لدينا قسرًا وقمعًا واضطهادًا، انها آلة اعتدنا أن نراها في زمن لا يعرف إلا صخب الاعتقالات والمداهمات والإشارة للآخر أنه المتهم أولًا وأخيرًا، وعلى قدر بشاعة الاحداث المتأزمة تدخل رواية " عبدالرضا صالح محمد " مدخلًا كبيرًا في الكشف عما يخبئه المجتمع العراقي من حمولات سرية، تلك الحمولات التي انطلقت على وفق مسارات متناقضة أحيانا إلى رصد كل ما يدور حولنا من السلوكيات التي يعانيها الفرد خاصة والمجتمع عامة، مما جعلنا. اما أن نتقبل الأوضاع المتأزمة بكل عناوينها أو نغادر هذا العالم المملوء صخبًا وضجيجًا محاولين اقتناص الفرصة المناسبة للانطلاق نحو فضاءات واسعة، لكن هناك من رسم على وجهه ملامح الصمت لفقدان الأشياء التي يدور هو في فلكها وراح يؤقلم نفسه على هذا الفقدان " تستحوذ على قسمات وجهه هالة من الحزن لفقده كل شيء في لحظة واحدة، الأهل والمال والوطن، كما لو فقدهم إلى الأبد " ص 110.
 
إنه أشبه بالانسلاخ من الملكية التي نعتز بها، لكنها ملكية ثقافة "التجريد" من كل شيء على وفق معطيات مدروسة من قبل الأنظمة الحاكمة السلطوية التي لجأت إلى الأساليب القمعية التي من شأنها بث المخاوف والرعب والتعذيب وجعل "الإنسان" يعيش في دوامة القلق والأزمات النفسية التي تحبط من معنوياته، لتكور ثقافة "الاستفهام" مدلولًا مبهمًا يغصّ بطرح الاشتغالات السؤالاتية التي من شأنها تدوير مرافئ الحظر، الصمت. لا نعلم جليًا عما يدور في عالم مستقبله الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يدخل في نفق " المجهولية " يوميات محظورة، لا نور فيها سوى بصيص خافت يمرّ من ثقب ابرة، عله يفجّر ما حوله معلنًا أن الصمت، لغة الافصاح، وسلاح فتّاك، نستطيع من خلاله تسويق كلما يدور في خواطرنا، لأنه يشكل بنية ذات مغزى متفرّد في تكوينية الإنسان.
 
"صاح بالناس بصوت عالٍ: "إخوان كفوا عن الضرب فأنهم سيقتلونكم معنا. تفرقوا. واهربوا، دماؤنا في رقابكم أن بقيتم". فرّ كثير منهم، لكن القوات أعادتهم بتوجيه فوهات البنادق الرشاشة نحوهم." ص 152
 نلاحظ أن الروائي قد مال إلى مزج اللهجة العامية مع اللغة الفصيحة بأسلوب سلسل غير معقد، محاولًا بسط تنويع لغوي متعدد، ينسجم مع السردية المسكون بها النص، والذي يحمل عبئًا اجتماعيا ً وسياسيًا، حيث نجد انفسنا تحت وطأة النظم والتقاليد العشائرية الصارمة بعاداتها التي حملت نوعًا من الجفاء والتسلط اللذين كان لهما الاثر الكبير في الوقوع في هفوات حياتية متداخلة مع الطاغوتية التي مثلت الحكم السياسي الاستبدادي في ملاحقة ابناء الشعب، وزجّهم في السجون والمعتقلات ومصادرة حرية الكلمة التي اصبحت لا تتعدى حدود الفم المغلق بأصفاد الاضطهاد والتشريد، أنه زمن مصادرة، وتغيير سلوكيات الفرد بالقوة حسبما يشتهيه المستبد.
 
"راح الرجال يحثون السير بالقوارب بين أحراش القصب والبردي لساعتين، كان الجو هادئا لا يسمع فيه غير نعيق الضفادع وحفيف القصب من جراء الهواء المنساب بخفة. " ص 218
الروائي يحاول أن يعطي للوصف دلالة مميزة، أنه يمسك بكامرته يلتقط ما تقع تحت عينيه من مشاهدات يومية واقعية، يشجع القارئ من خلالها على متابعة احداثه بتشويق ممنهج، يسوقه عبر تحريكاته الزمانية المتسلسلة غير المبعثرة، انها روايته التي استطاع من خلالها أن يطلق أصواتًا، رسائل تخنقها امتدادات بوح متعرج، يسير على وفق خطوط متماهية مع الواقع.
 
وبذلك وفق الروائي "عبدالرضا صالح محمد" في كسر قيود الصمت الذي حول حياتنا إلى محطات ساكنة، فارغة من متعتها حتى غلب عليها الجمود الذاتي، المبرمج على وفق تقنيات ضاغطة، فاعلة لها تأثيراتها الآنية التي اعتدنا أن نعيشها جميعًا، فكانت أشبه بمخالب تنهش أجسادنا التي مزقتها يد الدياجير المظلمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر



GMT 14:42 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

”أعطنى مسرحًا أُعطِكَ شعبًا مثقفًا”

GMT 14:13 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

العمق الثقافي اللبناني

GMT 17:39 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 19:04 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 22:15 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 14:52 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

GMT 06:52 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

​عبدالرحمن الأبنودي شاعر الغلابة

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 01:20 2016 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة مي عز الدين تشبّه والدتها بالحياة والأكل والشرب

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 10:15 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رامي جمال يحيي حفلًا غنائيًا في الفيوم 5 آذار

GMT 22:48 2016 الخميس ,05 أيار / مايو

طريقة عمل بلح بالبشاميل

GMT 20:39 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

النجم محمد رمضان يظهر في شخصيتين خلال فيلمه الجديد "الكنز"

GMT 00:56 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

الفنان أحمد الفيشاوي يرفض الرد على الشائعات

GMT 00:57 2017 الخميس ,13 تموز / يوليو

هيفاء وهبي تنسحب من بطولة فيلم "ثانية واحدة"
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen