آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

نموذج المؤسسة

اليمن اليوم-

نموذج المؤسسة

بقلم : خالد الدخيل

منذ الانتخابات الرئاسية الماضية كان من الواضح أن مؤسسة الحكم الأميركية (The Establishment) دخلت مرحلة مختلفة من الصراع. ليست جديدة لكن مختلفة. مصدر الاختلاف في هذه اللحظة يكمن في الرئيس الحالي دونالد ترامب. شخصيته العنيدة التي تميل إلى العنف، وسلوكه الذي كثيراً ما يزدري خصومه، ويأخذ منحى انفعالياً في ذلك.

تتكامل مع هذه الصفات مفرداته القاسية، والنابية أحياناً في التعبير عن مواقفه. اللافت أنه كثيراً ما يعبر عن مشاعر دفينة في خضم خلافاته وخصوماته. وهي سمة نافرة بالنسبة إلى العملية السياسية للمؤسسة، وللخطاب السياسي الذي تشكل وترسخ داخلها عبر أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن. هذا من حيث الشكل حيث يبدو الرئيس، وللمرة الأولى غريباً على المؤسسة بتقاليدها وأعرافها. هو في صدام مع المؤسسة، بما في ذلك جزء من الحزب الجمهوري الذي ترشح باسمه. لكنه لا يريد، والأدق ربما أنه لا يجرؤ على الاقتراب من فكرة تغيير المؤسسة، وهي التي اتسعت له وقبلته على علاته. أما من حيث المضمون فيبدو الرئيس ترامب أنه يمثل مصالح طبقة اجتماعية لا ينتمي إليها، وهي طبقة العمال ومن دفعوا ثمن التحولات الاقتصادية، خصوصاً الأزمة المالية لعام 2008. ومن الطبيعي أن خطابه السياسي والحال كذلك في مكان آخر. بل إنه لا يقدم خطاباً سياسياً متماسكاً. مواقفه تبدو غير مترابطة، تمليها ظروف اللحظة وضغوط المصلحة المباشرة. هو في حال صدام حادة مع التيار الليبرالي، وهو تيار كبير في أميركا. بل من الواضح أن هناك عداء مستحكماً مع هذا التيار. يتضح ذلك ليس في موقف الحزب الديموقراطي وحسب، بل في حقيقة أن الإعلام الليبرالي لم يتوقف عن ملاحقته، ورصد مواقفه وتجاوزاته منذ أن كان مرشحاً إلى أن أصبح رئيساً. في الوقت ذاته لا يبدو أنه يمثل التيار المحافظ بكل ألوانه. لم يتمكن مثلاً من إلغاء برنامج الرعاية الصحية لخلفه باراك أوباما على رغم أن حزبه الجمهوري يملك الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب. لا يزال في حال صراع مع الديموقراطيين حول موضوع الهجرة. ولم يحقق في سنته الرئاسية الأولى إلا تمرير برنامج خفض كبير نسبياً للضرائب لمصلحة قطاع الأعمال، خصوصا الشركات الكبرى. وفي هذا لم يخرج كثيراً عن فلسفة الحزب الجمهوري الذي يمثل في شكل أساسي قطاع الأعمال وليس طبقة العمال.

في السياسة الخارجية تتميز إدارة ترامب بمواقف متناقضة، ومربكة أحياناً. الأمر الذي تسبب في نشوء حال تباين، وأحيانا صدام مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وشرق آسيا، والشرق الأوسط. وأبرز ما يتضح ذلك في الملف النووي الإيراني، وموضوع كوريا الشمالية، والصراع العربي- الإسرائيلي، والأزمة الخليجية. تعلن الإدارة مثلاً عن مواقف معينة من هذه القضية أو تلك، لكنه لا يتم التعبير عنها بسياسات واضحة على الأرض. وليس أدل على ذلك من موقف الإدارة في الموضوع السوري. مرة يستكمل ما بدأه سلفه أوباما من تسليم الملف السوري لروسيا بوتين. وأخيرا تقرر إدارته الاحتفاظ بوجود عسكري هناك، وإنشاء جيش بحجم 30 ألفاً من الأكراد في شمال غربي سورية. الآن هناك حرب بين هؤلاء الأكراد وتركيا، وواشنطن في حال ارتباك أمام هذا المنعطف. في الملف النووي، قال ترامب أكثر من مرة إنه يريد إلغاءه، لكنه لم يقترب من ذلك بعد. يواجه معارضة أوروبية واضحة، وكذلك معارضة داخلية من الحزب الديموقراطي، وموقفاً متردداً من حزبه الجمهوري. يقول إنه يريد علاقات استراتيجية مع حلفاء أميركا من العرب، ثم يستبق كل شيء ويقرر الاعتراف بالقدس عاصمة للشعب اليهودي، هكذا من طرف واحد، ومن دون اعتبار لمصالح الحلفاء ومواقفهم، وقبل التوصل إلى حل نهائي للصراع. في الأزمة الخليجية هناك تناقض بين مواقف البيت الأبيض من ناحية، ومواقف وزارتي الخارجية والدفاع، من ناحية أخرى. بل إن موقف البيت الأبيض نفسه يفتقد التماسك. فمرة يرى ترامب أن على قطر التوقف عن دعم الإرهاب وتمويله، ومرة أخرى يعقد معها اتفاقاً استراتيجياً، كما حصل الأسبوع الماضي. وليس واضحاً بعد معنى هذه الصفة الاستراتيجية ودلالتها، ولأي هدف مع طرف خليجي واحد.

مع كل ذلك، فإن مأزق ترامب الحقيقي هو مع مؤسسة الحكم الأميركية. وجد طريقه إلى داخلها وهو لا ينتمي إليها بشخصيته وسلوكه والخطاب الذي يتبناه. وبسبب ذلك هو الآن في حال صراع شرس مع الكثير من أفرع هذه المؤسسة مثل القضاء، والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية، والمجتمع المدني، والإعلام... إلخ. بعبارة أخرى، هو في صراع مع أقوى أجنحتها، أو التيار الليبرالي. هذه مؤسسة لها تاريخها وتقاليدها الراسخة، ولها مصالحها التي تبلورت منذ زمن بعيد. بالنسبة لهذا الجناح يمثل ترامب بوصوله إلى رأس هرم السلطة تهديداً له، وللمؤسسة بتاريخها وتقاليدها السياسية والدستورية، فضلا عن مصالحها. كان هذا واضحاً منذ اليوم الأول للانتخابات قبل نحو السنتين. وهو موقف لا يزال مستمراً بالنفس الحاد ذاته الذي بدأ به. بل إن البعض لا يتردد أحياناً من التساؤل علناً عن إمكان وصول الأمور إلى حد قد يتطلب محاكمة الرئيس في مجلس الشيوخ. السؤال كيف وجد ترامب طريقه إلى داخلها؟ السؤال الثاني، وهو لا يقل أهمية بأي حال: كيف تتعامل معه المؤسسة الآن؟ حقيقة أن ترامب وجد طريقه إلى الرئاسة في مؤسسة لا ينتمي إليها إنما يعبر عن طبيعتها، وصلابة تقاليدها وشرعيتها الدستورية التي يصعب، إن لم يستحل الاقتراب من انتهاكها. فعلى رغم أن الرجل لا ينتمي إلى روح المؤسسة وتقاليدها، ولا إلى خطابها السياسي إلا أنه ينتمي إليها بحكم موقعه الاجتماعي والاقتصادي كرجل أعمال، وبحكم حقه السياسي كمواطن أميركي. ربما تنبغي ملاحظة أن مواطناً مثل باراك أوباما لم يكن ينتمي إلى المؤسسة قبل أكثر من 150 سنة، بأكثر مما هو هو عليه ترامب الآن. كان يحلم بأقل من الوصول للرئاسة بكثير. ثم تغير الأمر بعد ذلك جذرياً تقريباً. كيف تجيب هاتان الحالان عن السؤالين السابقين؟ للحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نموذج المؤسسة نموذج المؤسسة



GMT 01:01 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

رسالة إلى الروس قبل الأسد

GMT 00:20 2018 الثلاثاء ,10 إبريل / نيسان

استحالة النموذج المثالي ... وليس الدولة

GMT 06:18 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

سورية مختلفة فعلاً

GMT 04:38 2018 الخميس ,15 شباط / فبراير

المؤسسة بين أوباما وترامب

GMT 06:17 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

انفجار صنعاء وموقف مختلف للتحالف
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 22:39 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر

GMT 00:00 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 19:30 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:44 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء متوترة وصاخبة في حياتك العاطفية

GMT 04:08 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

انخفاض أسعار السيارات الكهربائية خلال العامين المقبلين

GMT 02:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

هويدا ابنة صباح تدخل في مرحلة خطيرة من اليأس

GMT 17:20 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

جوارديولا يُزاحم برشلونة على صفقة جديدة

GMT 02:06 2016 الأربعاء ,24 آب / أغسطس

10 زيوت عطرية لا بد أن تتوفر دائماً في منزلك

GMT 20:10 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

علاج البروستاتا بالأعشاب

GMT 04:27 2016 الأربعاء ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة سيلينا غوميز تتألق في مطار لوس أنجلوس
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen