آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني

اليمن اليوم-

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني

غسان الإمام
بقلم :غسان الإمام

الذين منحوا نابليون الفضل المبكر في يقظة العرب. وتأسيس المشروع السياسي الوطني أو القومي الوهابية. والسنوسية. والمهدية، انتشال الإسلام العربي من البدع. والتغول في التأويل. وتقديس مخطئون. أقول إن المشروع الديني العربي سبق المشروع السياسي بنحو قرن من الزمان. فكان هدف الأضرحة... والعودة به إلى نقائه الذي كان عليه عند «السلف الصالح».

كل من السنوسية والمهدية إصلاحية دينية. صحراوية متقشفة. ومتزهدة. لكن المهدية السودانية استلهمت الإسلام الشيعي في اعتقاده بوجود المهدي! فأضفى أئمتها على أنفسهم نوعًا من القداسة الغامضة. أما الوهابية فقد أكدت على التمسك بالقرآن. والسنة النبوية. والشريعة المقدسة. واعتبرت كل «ُمْحَدَثة بالدين هي بدعة». فأصول الدين عندها ثابتة. ومقدسة. مع الحزم في تطبيقها.

تصَّوفت السنوسية. وتزهدت. وتراجع نفوذ المهدية ومداها الحيوي كثيرًا. لكن في العلاقة مع الإمبراطورية العثمانية. والصراع مع الاستعمار الغربي، فقد اضطرت المشاريع الدينية الثلاثة إلى التسُّيس. فأرسى الإصلاحي محمد بن عبد الوهاب مع آل سعود الدولة السعودية الأولى باكرًا (1744).

أما المهدية فقد اشتبكت مع الحكم الثنائي البريطاني/ المصري للسودان، في حروب وسلام. ومارس المهدي قطع الرؤوس. فقطع رأس الجنرال تشارلز غوردون في الخرطوم. ثم استكان نجله عبد الرحمن المهدي للحكم الإنجليزي. وعارض بشدة مشروع «وحدة وادي النيل» مع مصر.

واضطرت السنوسية إلى تأسيس ملكية دستورية، بعد الحرب العالمية الثانية (1951). لكن قبضة الملك إدريس السنوسي المتسامحة. والمتراخية، مَّكنت حفنة من الضباط الصغار بقيادة الملازم معمر القذافي، من قلب النظام وإعلان الجمهورية. فعاش الملك بقية حياته لاجئا في مصر. دفعت الدولتان السعوديتان الأولى والثانية ثمنًا غاليًا، في المواجهة مع الإمبراطورية العثمانية التي أوقعت بين المشروعين الديني السعودي، ومشروع محمد علي العلماني في مصر. وكان المشروع السعودي في انتظار الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن، لتأسيس المملكة العربية السعودية (1932). فحقق أول مشروع عربي وحدوي، بتوحيد نجد. والحجاز. والأحساء.

وصل المدى الحيوي للمشروع السعودي إلى الذروة في المرحلة العصيبة الراهنة. فغدت السعودية أمل العرب، في تحدي ومقاومة المشروع الطائفي الإيراني، للهيمنة على الخليج. والمشرق. واليمن. ولبنان. والعراق. وعاد ملايين العرب الذين عملوا في السعودية إلى بلدانهم. وهم أكثر تقية. وتدينًا. أود أن أضيف مشروع خير الدين باشا التونسي إلى المشاريع الدينية التي ذكرتها. فقد كان أكثرها ليبرالية، في محاولته التكييف بين الإسلام والعصر. وأحسب أنه كان مقدمة للبورقيبية المتوسطية في القرن العشرين.

سيرة خير الدين فيلم مغامرات لم تخطر في بال هوليوود. فقد ولد في القفقاص. جنده الروس. فأسره الأتراك. بيع الفتى رقيقًا في إسطنبول. فاستقر في عهدة الباي حاكم تونس. تفتحت موهبة خير الدين على المعرفة والعلم. فارتقى في الإدارة ليصبح رئيسًا للحكومة. أصلح الإدارة. ألغى الضرائب الباهظة. فازدهرت الزراعة.ُعني باللغة العربية. وتدريس علوم الدين، بما لا يمس ثوابت القرآن. والسنة. والشريعة.

طار صيت الإصلاحي خير الدين التونسي. فاستدعاه السلطان العثماني عبد الحميد. فولاه الإصلاح المالي. فالباب العالي (رئاسة الحكومة). فأصر خير الدين على الشورى (الديمقراطية). ومحاربة الفساد. والاستبداد. ثم استقال ليموت مغمومًا (1880). فقد بلغت الإمبراطورية العثمانية من التهالك آنذاك، بحيث لم يكن الخليفة المتقلب عبد الحميد قادرًا على مساندته في وقف التدهور.

تقاطع المشروعان الديني والسياسي مرارًا في العالم العربي. بل تسيس المشروع الديني. ونافس المشروع الوطني والقومي على السلطة. لكن أوروبا نجحت في إحباط مشروع محمد علي الذي رأى في الإمبراطورية العثمانية عقبة كأداء أمام إقامة وحدة عربية. (حاول نجله إبراهيم احتلال إسطنبول بجيش مدرب من الفلاحين المصريين. وأقام وحدة مع سوريا). وألزمته بالاكتفاء بمصر. مات إبراهيم باكرًا. ولم يكن أنجالمحمد علي الآخرون على مستوى طموحه. ودراية أخيهم إبراهيم العسكرية.

ثم تقاطع المشروع الديني الإخواني مع المشروع الثقافي المصري الذي تقبل ليبرالية جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الدينية. سعى مثقفو العشرينات والثلاثينات المصريون إلى التوفيق بين ثقافة التراث والثقافات الإنسانية. ثم كان على مصر أن تنتظر جمال عبد الناصر، لإحياء المشروع القومي، بوحدة مصرية. سورية (1961 ­ 1958). فقاومه المشروع الديني. ثم قوضت أميركا وأوروبا المشروع الناصري، باستعمال المشروع العسكري الصهيوني/ الاستيطاني ضده.

الموت المبكر لعبد الناصر (1970) أتاح المجال لنشوء نظام جمهوري عربي، على مفرق السبعينات، في مصر.
سوريا. العراق. ليبيا. السودان. حكم هذا النظام شخصيات قمعية مغرقة في فرديتها. فرفعت شعارات عبد
الناصر القومية للتستر على مشاريعها الضيقة.

وهكذا يولد المشروع الساداتي/ الإسرائيلي. وانتهى بمصرع صاحبه برصاص المشروع الديني المتزمت. وفي سوريا، ورط المشروع الطائفي العلوي عبد الناصر في حرب النكسة (1967). ثم خرج على العروبة بحلفه الخياني مع المشروع الديني في إيران الخميني الطامح للهيمنة على الخليج والمشرق.

ورث المشروع البعثي المشروع الهاشمي القومي الذي فقد رائده الملك فيصل بن الحسين. فحوصر المشروع في الأردن البلد الصحراوي الصغير الذي لا يملك موارد ومقومات الدولة. وفقدت سوريا زعيمها الشعبوي عبد الرحمن الشهبندر الذي اغتاله المشروع الديني المتزمت (1940). أعتقد أن هذا الطبيب كان قادرًا على إنزال السوريين إلى الشارع، لإحباط الانقلابات العسكرية الكلاسيكية في الأربعينات، تمامًا كما فعل إردوغان.

أخفق قادة «البعث» ومثقفوه مرتين: قضوا على الحرية قبل أن يقيموا وحدة قومية مع الناصرية المصرية. عسكر أكرم الحوراني الطائفة العلوية. وظن نده ميشيل عفلق أنه قادر على حكم سوريا بجيش الطائفة! في هذه التقاطعات المتناقضة، فقد الشارعان المصري والمشرقي زخم القومية. باتت المجتمعات العربية اليوم أشلاء مبعثرة. موزعة على مشاريع دينية ضيقة. ومتزمتة. باستثناء المشروع الديني التونسي (النهضة) الذي يستلهم ديمقراطية الإسلام التركي التي هددها الانقلاب العسكري الفاشل.

في تفسير ما يجري من تناقضات وتقاطعات، أدعو الإعلام العربي إلى الاستعانة بعلماء الاجتماع. والسياسة. والتاريخ. والاقتصاد في الأكاديميات الجامعية. وعدم الاعتماد فقط على «دكاترة» التعليق السياسي. هؤلاء غير قادرين على توعية الرأي العام التائه. والمبعثر، برأي مستقل. أو الالتزام بموقف واضح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني



GMT 15:47 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التدخل التركي قلب اللعبة الدولية

GMT 22:59 2016 الثلاثاء ,23 آب / أغسطس

حلف مستحيل بين ملاَّ وقيصر وسلطان وجلاّد!

GMT 22:45 2016 الثلاثاء ,16 آب / أغسطس

تأملات في الذات والفكر والعصر

GMT 14:57 2016 الثلاثاء ,26 تموز / يوليو

تدمير المجتمع المدني

GMT 07:03 2016 الثلاثاء ,03 أيار / مايو

هل يوفر أوباما الحماية للاستثمارات العربية؟
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 15:27 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

وصول الفنان عمار العزكي إلى تعز

GMT 15:28 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

رئيس ميانمار الجديد يؤدي اليمين الدستورية

GMT 13:58 2017 الخميس ,22 حزيران / يونيو

دراسة تكشف غياب المرأة عن وسائل الإعلام اليمنية

GMT 06:04 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

خواتم من الأحجار الكريمة لأناقتك في "ليلة الكريسماس"
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen