آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

أميركا ـ إسرائيل: انبعاث الخرافيّ

اليمن اليوم-

أميركا ـ إسرائيل انبعاث الخرافيّ

بقلم: حازم صاغية

تبدو العلاقة الأميركيّة – الإسرائيليّة، في ظلّ ترمب، أشبهُ بالتماثُل، والتماثلُ بين دولتين أقرب إلى الخرافي مما إلى الواقعيّ. الدول تتحالف وتتقاطع لكنّها لا تتماثل، تماماً كما تتخاصم لكنّها لا تتبادل الفناء والإفناء.
علاقة التماثل وجه آخر يكمّل العداء المطلق، وفي الحالين، تخسر السياسة تعقيدها وما تعبّر عنه من مصالح، لتغدو صنواً لحكايات القرى عن الحبّ والكره والثأر، أو لأحوال الأنظمة السلاليّة الأوروبيّة حيث المصاهرة مقدِّمة للتحالف، والطلاق مقدِّمة للحرب.
لكنْ لئن حظيت العلاقة الأميركيّة - الإسرائيليّة الراهنة بأطنان الأوصاف، بقي أنّ الخرافي الذي يسكنها يشجّع على استرجاع مَيل قديم لدينا، نحن العرب، إلى «تحليلها» خرافيّاً.
فغالباً ما قال بعضنا إنّ «إسرائيل مخفر للولايات المتّحدة تأتمر بأمرها»، كما قالوا: «إسرائيل واليهود هم الذين يحكمون واشنطن». والوصفان المتناقضان هذان كثيراً ما تعايشا في النصّ السياسي العربي أو في بعضه الكثير، بحيث تساءل المثقّف السوري الراحل صادق جلال العظم، بقدر من السخرية: إذاً مَن الذي يحكم مَن؟
مع ترمب، صار من الصعب النظر بدقّة إلى التاريخ الفعلي للعلاقة، لكنّ المؤكّد أنّ التاريخ المذكور ليس من النوع الذي يتبدّى حاليّاً كأنّه هو الطبيعي والدائم.
مناسبة هذا الكلام ما زوّدتنا به صحيفة «هآرتز» الإسرائيليّة قبل أيّام: فبناءً على وثائق أميركيّة ظهرت مؤخّراً إلى العلن، تبيّنَ التالي: في 1963 كاد الخلاف بين واشنطن وتلّ أبيب حول مشروع ديمونا الذري يتحوّل عداءً حادّاً، حتّى إنّ إسرائيليين تخوّفوا من إرسال حاملة طائرات أميركيّة لقصف المفاعل الإسرائيليّ. ذاك أنّ إدارة الرئيس جون كينيدي كانت حازمة في سعيها إلى منع الانتشار النوويّ، فضلاً عن خوفها من أن يتسرّب خبر هكذا فيُغضب العرب من الدول الغربيّة. في المقابل، كان رئيسا الحكومة اللذان تناوبا على الحكم في 1963، ديفيد بن غوريون وليفي أشكول، متمسّكين بالمشروع الذي بدأ العمل به سرّاً مع فرنسا عام 1958، ويعتبرانه شرطاً لأمن دولتهم وبقائها.
إسرائيل حاولت مخادعة أميركا حول «سلميّة» مشروعها، كما تذرّعت باحتمال محرقة أخرى يُنزلها العرب بيهودها، وطالبت بضمانات أميركيّة وأميركيّة – سوفياتيّة، لكنّ كينيدي مضى في تصلّبه وإصراره على التفتيش الأميركي المنتظم لديمونا. وثمّة تحليلات تقول إنّ اصطدام بن غوريون بجدار كينيدي هو ما دفعه عامذاك إلى الاستقالة التي بقي سببها غامضاً. على أي حال، لم يفتر الضغط إلاّ بعد جريمة دالاس وحلول نائب الرئيس ليندون جونسون في البيت الأبيض.
ما نشرته «هآرتز» يعيد إلى الذاكرة أحداثاً شهيرة أخرى تنفي التماثل. فوزير الخارجيّة الأميركي جورج مارشال كان معارضاً للاعتراف بإسرائيل في 1948، وقد اضطرّ الرئيس هاري ترومان لأن يبذل جهوداً جدّيّة كي يتغلّب على معارضة وزيره ودبلوماسييه. وهناك بالطبع التطوّر الكبير الذي سجّله عام 1956: فكما نعلم جيّداً، وقفت الولايات المتّحدة في ظلّ إدارة دوايت آيزنهاور إلى جانب مصر في مواجهة إسرائيل المتحالفة مع بريطانيا وفرنسا. الموقف هذا هو ما حمل الإسرائيليين مُكرَهين على الانسحاب من سيناء التي احتلّوها وإسباغ نصر سياسي ضخم على جمال عبد الناصر المهزوم عسكريّاً.
السبب الأبرز للموقف الأميركي حينذاك كان إيلاء الأولويّة لعلاقات واشنطن العربيّة. فقد بدا لها، استراتيجيّاً كما اقتصادياً، أنّ صداقة القاهرة وبغداد والرياض وباقي العواصم العربيّة والإسلاميّة أهمّ من صداقة تلّ أبيب، خصوصاً في ظلّ حرب باردة.
وثمّة نزاعان آخران لا يزالان طريين في الذاكرة:
- في 1991 حين رفض جورج بوش الأب الموافقة على ضمانات قروض بقيمة 10 بلايين دولار للمساعدة على استيعاب المهاجرين من الاتّحاد السوفياتي السابق. لقد اشترط بوش لتلك الموافقة تجميد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينيّة.
- وفي 2015 حين انفجر خلاف باراك أوباما وبنيامين نتنياهو بسبب ملفّ إيران النوويّ.
هذا لا يلغي، بالطبع، أنّ الولايات المتّحدة ضامنة دائمة لأمن إسرائيل، والعلاقة بينهما حقّقت قفزة نوعيّة بعد حرب 1967، حين استطاعت تلّ أبيب إهداء واشنطن أكبر انتصاراتها وأقلّها تكاليف «في مواجهة الاتّحاد السوفياتي وحلفائه. لكنّه لا يلغي أيضاً أنّ الطرف الأقوى في العلاقة هو الولايات المتّحدة لأنّها الطرف الأقوى في كلّ شيء آخر، من دون أي تجاهلٍ لهامش الاستقلاليّة الواسع الذي انتزعته الدولة العبريّة لنفسها.
ولمن شاء أن يدرس التاريخ الثنائي الفعليّ، فإنّ خرافات السحر والمؤامرات لا تقدّم الكثير. لكنّنا نعيش اليوم زمناً باعثاً على استنجاد الوعي بالخرافة ما دام الواقع نفسه يستضيف الخرافة على الرحب والسعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا ـ إسرائيل انبعاث الخرافيّ أميركا ـ إسرائيل انبعاث الخرافيّ



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 12:14 2018 الخميس ,16 آب / أغسطس

استراتيجية مكافحة الجريمة الاقتصادية

GMT 01:21 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

منع دخول الصحافين حضور تصوير أخر حلقات "30 يوم"

GMT 11:08 2021 الأربعاء ,14 تموز / يوليو

أوبل تجعل Astra الشهيرة أجمل وأكثر اقتصادية

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 07:12 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

تعرّف على أفضل ناطحات السحاب المذهلة في العالم

GMT 20:41 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الميسري يترأس اجتماعًا مع اللجنة الرئاسية لمحافظة تعز

GMT 06:11 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ملابس طويلة وجديدة لاسترخاء هادئ في الشتاء البارد

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 12:24 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

نجوم أجانب يرتدون ملابس مستعملة وقديمة

GMT 13:00 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

Huawei"" تطلق "قاتل MacBook" بنظام تشغيل "Windows 10"
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen