آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

عبد الكريم قاسم وطريق الوطنيّة الصعب في العراق

اليمن اليوم-

عبد الكريم قاسم وطريق الوطنيّة الصعب في العراق

حازم صاغية
بقلم: حازم صاغية

حين سقط نظام صدّام حسين في 2003، ارتفعت في بغداد صور لقادة ورجال دين قتلهم صدّام. لكنّ صورة أخرى فاقتْها ارتفاعاً جاءت من تاريخ أقدم عهداً. إنّها لعبد الكريم قاسم الذي حكم العراق بين 1958 و1963.
فقاسم، رغم ديكتاتوريّته العسكريّة وعشوائيّته، ظلّ أبرز رموز الوطنيّة العراقيّة في التاريخ الحديث للبلد: بنتيجة الانقلاب الذي قاده في 14 يوليو (تموز) 1958، خرج العراق من سياسة الأحلاف التي كانت بغداد عاصمة أهمّها. وبصراعه مع القوميين العرب والبعثيين، كان يؤسّس الوطنيّة العراقيّة غير التابعة لمصر الناصريّة. قبل ذلك وبعده، ظلّ قاسم – ابن الأبّ السنّي والأمّ الشيعيّة – حسّاساً لمسألة الوحدة الوطنيّة العابرة للمذاهب.
هذا التعلّق بـ«الزعيم» قاسم كان مصدره الأوّل العطش إلى وطنيّة مستقرّة، أو ما تراءى أنّه كذلك. فالعراق مُنحت ملكيّته لفيصل بن الحسين غير العراقيّ. أمّا عراقيّوه الجدد، المغلوبون على أمرهم، أي الأكراد، فقصفهم الطيران البريطاني المنتدب لأنّهم انتفضوا بقيادة محمود الحفيد. وفي 1932، أي قبل ربع قرن على «نزع الاستعمار»، استقلّ البلد اسميّاً لكنّ المعاهدة الأنغلوعراقيّة كانت قد سبقت الاستقلال بعامين. هكذا جاء محدوداً وشكليّاً، يحفظ للمنتدب السابق معظم امتيازاته. غير أنّ البريطانيين لم يكونوا أسوأ ما عاناه العراقيّون. في 1933 كانت مذبحة أشوريي العراق، وفي 1941 حلّت مذبحة «الفرهود» بيهوده. وقبل هذين التاريخين كان قد ظهر ما يكفي من علامات التفسّخ بين أبرز مكوّنات البلد: حدث ذلك مع صدور كتاب أنيس النصولي في 1927 عن «الدولة الأمويّة في الشام»، وإبّان تولّي ساطع الحصري مديريّة التعليم العامّ بين 1923 و1927 حين فُصل الشاعر محمد مهدي الجواهري من سلك التعليم وسُحبت منه جنسيّته، كما في السجال الشهير بين الحصري وفاضل الجمالي. وفي صيف 1927 تحديداً، اصطدمت قوّات الأمن بممارسي مراسم عاشوراء، وفي 1934 في ظلّ ترؤّس القومي العربي ياسين الهاشمي الحكومة، مُنعت مواكب محرّم، ونشب تمرّد شيعي نجم عنه قصف لواء الديوانيّة من الجوّ...
الصراع المذهبي كان يرفده تكوين عشائري راسخ ومكين في الوسط والجنوب كما في الشمال، ومسألة اجتماعيّة متفاقمة تبعاً لضخامة الملكيّات العائدة إلى ملاّكين مُتغيّبين وجائرين، فيما تضوّر فلاّحوهم المحرومون من الأرض.
انعكس هذا كلّه على الاستقرار السياسيّ: بين 1932 وإعلان الجمهوريّة في 1958، عرف العراق 45 حكومة، بمعدّل ثمانية أشهر للحكومة الواحدة، وثمانٍ من هذه الحكومات شُكّلت تحت ضغط الجيش. شهد العراق كذلك انقلابين: بكر صدقي في 1936، ورشيد عالي الكيلاني وضبّاط «المربّع الذهبيّ» في 1941. وشهد أيضاً ثلاث خضّات وانتفاضات: في 1948 و1952 و1956.
إذاً، كان عهد عبد الكريم قاسم يشبه الوعد بوطن وباستقرار وعدالة. لكنّ الوعد لم يُلبّ. ففضلاً عن ديكتاتوريّة قاسم وأخطائه الهائلة، خصوصاً صدامه بأكراد الشمال، وجد النظام الجديد نفسه في مواجهة المُصرّين على منع التشكّل الوطنيّ. هؤلاء كانوا امتداداً للتقليد القومي العربي المتأثّر بالفاشيّة، يقدّمون مسألة العروبة على مسألة العراق. التقليد هذا، الذي بدأ مع الكيلاني والهاشمي، مروراً بـ«حزب الاستقلال»، ووصولاً إلى «حزب البعث»، نجح عسكريّوه عام 1963، وعبر انقلاب، في إسقاط قاسم وإعدامه. ولأشهر سال فيها دم كثير سيطر البعثيون قبل أن يطيحهم شركاء قوميّون أقلّ دمويّة وآيديولوجيّة. لكنّ عهد عبد السلام عارف «الناصريّ» لم ينجح في إقامة وحدة مع مصر، بينما فشل شقيقه عبد الرحمن في كلّ شيء تقريباً.
أمّا سنوات البعث الذي عاد إلى السلطة بانقلاب 1968، فجمعت إلى عنفها الداخلي كمّاً من الحروب الخارجيّة التي أضعفت البلد بقدر ما أوهنت وحدته الداخليّة. وبسقوط صدّام حسين على أيدي الأميركيين، حلّ العهد الأميركي الذي ما لبث أنّ مهّد للعهد الإيرانيّ، لكنْ في هذه الغضون، وفي ظلّ العهدين، صار من العبث الوقوع على عنوان واحد جامع: «اجتثاث البعث» ونوري المالكي و«الحشد الشعبيّ» هي عناوين مضادّة للسنة، والمقاومة و«داعش» عناوين مضادّة للشيعة، ووسط زحمة الأسماء والعناوين تندلع حرب أهليّة سنّيّة – شيعيّة في 2006. أمّا الأكراد فظلّوا كأنّهم أبناء تاريخ منفصل، لا سيّما بعد انفجار الخلاف على كركوك.
لكنْ إذا كان طريق الوطنيّة في العراق صعباً وطويلاً، وربّما أصعب وأطول من مثيليه السوري واللبنانيّ، فإنّ الثورة الراهنة طرحت هذه المسألة من جديد. طرحتها حين هبّ شيعة عراقيّون في مواجهة إيران الشيعيّة. وطرحتها حين تجاوب سنة عراقيّون في الفلّوجة، ولكنْ أيضاً في تكريت وهيت والموصل والرمادي، متضامنين مع النجف. وهي، بالطبع، مجرّد بدايات على طريق صعب وطويل، طريقٍ ربّما كان في حاجة إلى أمور عدّة، على رأسها توسيع المساحات المشتركة بين مكوّنات البلد، واستكمال خروج السنة من عقدة التهميش. وقد يكون من المطلوب أيضاً ظهور عبد الكريم قاسم المدني والديمقراطي هذه المرّة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبد الكريم قاسم وطريق الوطنيّة الصعب في العراق عبد الكريم قاسم وطريق الوطنيّة الصعب في العراق



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 02:08 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

شينولا تطرح أفضل سماعات للرأس بتصميمات أنيقة

GMT 14:48 2016 الأربعاء ,03 آب / أغسطس

كوكتيل الرمان

GMT 19:25 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

الجودة في التعليم مسؤولية متقاسمة بين المجتمع والمدرسة

GMT 03:02 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هل تعرفين أثار الضرب على طفلك؟

GMT 22:55 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منتجع لا بورا ملاذ مخصص للسيدات

GMT 13:12 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

أزارو يخلق أزمة بالاتفاق السعودي

GMT 04:46 2018 الجمعة ,19 تشرين الأول / أكتوبر

بولتون يؤكّد أن ناسا لديها برنامج يتوقع الجفاف
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen