آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

منصب الوزير

اليمن اليوم-

منصب الوزير

مصطفي الفقي
بقلم : مصطفي الفقي

حكى لى صديقى السفير د. «خيرالدين عبداللطيف» أنه عندما كان يعمل فى سفارتنا فى «لندن»، وذات صباح بارد كان يمرق بسيارته متجهًا إلى مقر عمله قريبًا من نهر «التايمز»، فلفت نظره وقوف شخصية بريطانية محترمة على الرصيف وحيدًا ينظر فى ساعة يده، ولأن د. «خيرالدين عبداللطيف» إنسان شديد الرقى والتحضر قذفت به محافظة «سوهاج» إلينا لكى يكون واحدًا من أيقونات الخارجية المصرية، فإنه تطلع من نافذة السيارة، وقال للشخصية التى تبدو عليها مظاهر الاحترام: هل أستطيع مساعدتك؟ قال: نعم، إننى أريدك إن أمكن أن تأخذنى فى طريقك إلى وزارة الخزانة، ولم يكن الأمر بعيدًا عن مسار د. «خيرالدين عبداللطيف»، فاستضاف ذلك البريطانى الذى تبدو عليه ملامح الاحترام فى سيارته ومضى به، وكانت المفاجأة أنه اكتشف أن ذلك الشخص هو وزير الخزانة البريطانية، وهو منصب متميز تاريخيًا فى مجلس الوزراء لديهم، وعندما كنت سفيرًا فى «فيينا»، توقفت سيارتى فى إشارة المرور، وبجانبى مباشرة سيارة مستشار النمسا، «كليما»، (وهو رئيس الوزراء)، يجلس بجانب السائق، مستسلمًا لدقائق أمام إشارة المرور، وأنا أتأمله، فلا أجد فى مظهره ضجرًا أو استعلاءً أو ضيقًا، وقارنت ذلك بأوضاع الوزراء فى بلادنا، حيث «الهيلمان» الذى يصاحب مواكبهم والضجة التى تصيب الشوارع عند مرورهم، وقد يقول قائل إن الإرهاب الذى يضرب بلدنا هو الذى اقتضى ذلك، وجعل السيارات المصفحة ضرورة والدراجات النارية لفتح الطريق لازمة! وأنا أؤكد هنا أن هذه المظاهر متجذرة فى بلدنا، وكأنها تعكس طقسًا فرعونيًا يجعل للمنصب تميزًا قد لا يكون هناك مبرر له، فأنا أظن أن منصب الوزير تكليف قبل أن يكون تشريفًا، ومسؤولية جسيمة قبل أن يكون ميزة كبيرة، ويضع صاحبه فى مرمى النيران بقذائف صديقة أو معادية، قد تصل إلى حد تجريحه والإساءة إليه، وقد لا يملك ردًا ولا يستطيع مجابهة النقد الحاد كل مرة، فالمنصب يكبله، والظروف المحيطة به لا تُمكِّنه من أن يكون طرفًا دائمًا فى جدل أو حوار، وبهذه المناسبة فإننى أستسمح القارئ فى طرح الملاحظات التالية:

أولًا: لقد امتد تركيزنا فى العصر الجمهورى على الوزير الفنى، واستبعاد الوزير السياسى فى كثير من الأحيان، وبذلك تحول مجلس الوزراء إلى جهاز فنى أكثر منه سياسيا، ولو استعرضنا أسماء رؤساء الحكومات المصرية منذ 1952 لوجدنا أن الجانب المهنى والطابع الفنى هو الذى يحكمها، لأن الأحزاب السياسية غائبة، والموجود منها غير قادر على طرح شخصيات سياسية تملأ المنصب مثلما كان الأمر فى العصر الملكى، وهذا التقزيم للمناصب الوزارية يجعل الوزير الحالى فى وضع صعب للغاية، فهو محكوم باعتبارات يومية دون استراتيجية طويلة المدى تسمح له أن يرى فى الأفق البعيد إمكانية وضع سياسات مستقرة ورؤى دائمة، لقد كان الوزير فى العصر الملكى شخصية عامة حصلت على تدريب سياسى وتصعيد حزبى، فامتلكت أدوات القرار النهائى، تاركة للوكيل الدائم للوزارة، وهو شخصية إدارية وفنية صعدت سلم مهنته فى داخل وزارته من أسفل إلى أعلى صعودًا يسمح له بتسيير «دولاب» الحركة اليومية لوزارته، وهو يلتقى بوزيره كل يوم ليدرك منه عناصر التوجه السياسى واتجاه «البوصلة» الوطنية كما يراها مجلس الوزراء بالنسبة لذلك القطاع، ويقدم لوزيره تصورًا شاملًا عن الإجراءات التى تتخذها الوزارة تمشيًا مع تلك السياسات التى رسمها صناع القرار الكبار فى المؤسسات العليا للحكم، وبذلك لا يسقط الوزير فى مستنقع الشواغل الفرعية من ترقيات وتنقلات إلا إذا ما استدعى الأمر اللجوء إليه فى بعضها، وبذلك يأخذ منصب الوزير قيمته الحقيقية ومكانته التاريخية.

ثانيًا: إن دورة تغيير الوزراء أصبحت مثار جدل يصل إلى حد التندر، فلقد كنا نشكو أثناء حكم الرئيس الأسبق «مبارك» من أبدية المناصب وبقاء بعض الوزراء أكثر من عشرين عامًا فى مواقعهم، فإذا بنا نتجه فى تطرف إلى الاتجاه الآخر! فكم وزيرًا مر على وزارة الثقافة أو التعليم أو الطيران المدنى- على سبيل المثال- ولاشك أن قصر مدة بقاء الوزير فى منصبه وعلمه بذلك مسبقًا هو أمر يحرمه من القدرة على اتخاذ القرار، الذى لا يقوى عليه خشية المساءلة التى قد تصل إلى المحاكمة، فيؤثر السلامة ويتحول إلى مسؤول سلبى يكتفى ببعض الإجراءات الشكلية دون أن يخوض فى جوهر المشكلات أو يقتحم الأزمات، مكتفيًا ببعض المظاهر الإعلامية، وراضيًا من المنصب بأن يصبح ذات يوم وزيرًا سابقًا، ولابد أن أعترف هنا بأن هذا الأمر لا ينسحب على كل الوزراء، فهناك مخلصون أكفاء يملكون الخبرة والقدرة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت المناسب.

ثالثًا: إن الإقبال على المنصب الوزارى قد تراجع كثيرًا بعد 25 يناير 2011، وقد سمعت من رئيس الوزراء الحالى أنه يعرض المنصب على مَن يستقبلهم، ولكن الكثيرين يعتذرون بشواغل أخرى، لأنهم لا يريدون أن يكونوا بين مطرقة الإعلام وسندان المنصب، كما أن بعضهم قد يرى أن فى الوزارة خسارة مادية له مقارنة بالموقع الذى يشغله، فيخضع اعتذاره لحسابات شخصية يصعب تدخل الغير فى تفاصيلها، وقس على ذلك منصب المحافظ، الذى يهرب منه الكثيرون، لأنه واحد من أشق المناصب فى الدولة المصرية حاليًا!

هذه ملاحظات عبرت بخاطرى بمناسبة الحديث عن التعديل الوزارى وأسعار الوزراء الحاليين فى «بورصة المناصب».. كان الله فى عونهم راحلين أو قادمين، فنحن نمر بظروف صعبة ومرحلة شديدة الخطورة والحساسية فى تاريخنا الوطنى والقومى فى ذات الوقت.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منصب الوزير منصب الوزير



GMT 01:39 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

صيانة الذاكرة...

GMT 06:13 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

التراث العقارى لمصر فى الداخل والخارج

GMT 06:09 2016 الأربعاء ,27 إبريل / نيسان

معوقات المسيرة
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 22:39 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر

GMT 00:00 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 19:30 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:44 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء متوترة وصاخبة في حياتك العاطفية

GMT 04:08 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

انخفاض أسعار السيارات الكهربائية خلال العامين المقبلين

GMT 02:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

هويدا ابنة صباح تدخل في مرحلة خطيرة من اليأس

GMT 17:20 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

جوارديولا يُزاحم برشلونة على صفقة جديدة

GMT 02:06 2016 الأربعاء ,24 آب / أغسطس

10 زيوت عطرية لا بد أن تتوفر دائماً في منزلك

GMT 20:10 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

علاج البروستاتا بالأعشاب

GMT 04:27 2016 الأربعاء ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة سيلينا غوميز تتألق في مطار لوس أنجلوس
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen