أسامة بن لادن

لأول مرة منذ سنوات طويلة، كسرت السيدة عليا غانم، والدة زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، صمتها إزاء نجلها، من خلال مقابلة مع صحيفة الجارديان البريطانية.

أكدت غانم خلال المقابلة أن نجلها كان “ابنا صالحا”، وأن تنظيم جماعة الإخوان ومنتسبين لها هم من كانوا وراء تحوله إلى اعتناق الفكر الإرهابي.

وتحدثت غانم إلى مارتن تشولوف، مراسل “الجارديان”، بحضور ثلاثة من أبنائها، خلال المقابلة التي تمت بموافقة من السلطات السعودية، واصفة بن لادن بأنه ما زال ابنا محبوبا بالنسبة لها، وأنه ضل طريقه بصورة أو بأخرى.

وقالت غانم، السيدة التي في منتصف السبعينيات من عمرها: “كانت حياتي صعبة، لأنه كان بعيدا جدا عني. كان ابنا صالحا وكان يحبني جدا”.

وقال مراسل “الجارديان”، إن غانم ظلت ترفض على مدار سنوات الحديث عن “أسامة”، والشيء نفسه بالنسبة إلى أسرته الكبيرة، على مدار عقدين من قيادته تنظيم القاعدة، وهي الفترة التي شهدت هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي نفذها التنظيم في نيويورك وواشنطن العاصمة، ونهاية بمقتله في باكستان بعد أكثر من 9 سنوات.

لكن الآن، يقول تشولوف: “وافقت القيادة السعودية الجديدة –التي يتقدمها ولي العهد الطموح الأمير محمد بن سلمان– على طلبي بالحديث إلى أسرة (بن لادن)”.

وبالعودة إلى حديث السيدة غانم، فإنها تصف ابنها البكر، أسامة، بأنه كان صبيا خجولا، وكان متفوقا في دراسته. لكنه تحول إلى شخصية قوية مندفعة، وشديدة التدين في أوائل العشرينيات من عمره، وبحسب تعبيرها، “صار رجلا آخر مختلفا” عندما التقى عبدالله عزام، عضو جماعة الإخوان الإرهابية، الذي نُفي بدوره فيما بعد من المملكة العربية السعودية. وأضافت أن عزام أصبح فيما بعد مستشار بن لادن الروحي.

وتابعت: “كان ولدا صالحا جدا، إلى حين لقائه بعض الأشخاص الذين قاموا بغسل دماغ قوي له في أوائل عشرينيات عمره”.

وقالت: “بإمكانك أن تصفهم بالطائفة الدينية. كانوا يحصلون على الأموال من أجل قضيتهم. وكنت دائما أطالبه بالابتعاد عنهم، لكنه لم يعترف لي أبدا بما كان يفعله، لأنه كان يحبني كثيرا جدا”.

سافر بن لادن إلى أفغانستان في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، للقتال ضد الروس. ويقول شقيقه حسن، الذي حضر المقابلة: “كان موضع احترام كل من قابله في الأيام الأولى. في البداية كنا فخورين به للغاية”.

ويحاول حسن بصعوبة أن يشرح النقلة التي حدثت لشقيقه من شخص غيور على دينه، إلى إرهابي عالمي. ويقول: “أنا فخور به بمعنى أنه كان أخي الأكبر. لقد علمني الكثير. لكني لا أعتقد أني أفخر به كثيرا كإنسان. فلقد وصل إلى مرحلة النجومية الخارقة على الساحة العالمية، وكان هذا للاشيء”.

تلتقط السيدة غانم طرف الحديث لتعود إلى الكلام عن طفولة زعيم القاعدة الراحل، قائلة: “كان شديد الاستقامة، وكان رائعا في المدرسة. كان يحب الدراسة. وأنفق كل أمواله على أفغانستان”.

لكنها تقول إنه “لم يخطر ببالي قط” أنه قد يصبح إرهابيا، وعندما أدركت العائلة ذلك، “كنا في غاية الانزعاج، ولم أكن أتمنى أن يحدث أي من هذا”.

وتحدث أشقاء حسن بأريحية أكبر بعد أن غادرت والدتهم لتستريح في غرفة قريبة، ويقول أحمد، شقيق زعيم القاعدة الراحل: “مرت 17 سنة منذ 11 سبتمبر/أيلول، وما زالت (والدتنا) في حالة إنكار بشأن أسامة. تحبه كثيرا جدا، وترفض توجيه اللوم إليه. وبدلا من هذا تلوم من كانوا حوله. وهي لا تعرف إلا أسامة، الولد الصالح، وهو الجانب الذي نعرفه جميعا. لكنها لا تعرف أبدا عن الجانب الآخر”.

وتابع: “كنت مذهولا، مصدوما” عندما وقعت هجمات سبتمبر/أيلول. كان شعورا غريبا جدا. كنا نعرف من البداية أنه المسؤول. وكنا نشعر بالعار، من أصغرنا لأكبرنا. كنا نعرف جميعا أننا سنواجه عواقب فظيعة. عادت أفراد أسرتنا جميعا من الخارج”، حيث كانوا مشتتين ما بين سوريا ولبنان ومصر وأوروبا.

وفي السعودية – والحديث لـ أحمد، شقيق بن لادن – كنا ممنوعين من السفر. حاولت السلطات قدر المستطاع السيطرة على الأسرة، التي تم استجواب كل أفرادها، ومنعهم من السفر لفترة من الزمن. وبعد ما يقرب من عقدين بدأ أفراد الأسرة يتحركون بحرية نسبية داخل المملكة وخارجها.

وقابل مراسل “الجارديان” كذلك الأمير تركي الفيصل، الذي رأس جهاز الاستخبارات السعودي على مدى 24 عاما، بين 1977 و1 سبتمبر/أيلول 2001، أي قبل 10 أيام فقط على الهجمات الإرهابية.

وقال الأمير الفيصل، وهو الآن في منتصف السبعينيات من العمر: “عندما انتقل بن لادن من أفغانستان إلى السودان، زاد في دعوته المتطرفة، وصارت علاقاته سيئة بالسعودية”.

ويضيف الأمير تركي الفيصل: “عندما عاد بن لادن إلى جدة، تطور لديه توجه سياسي أكثر مما كان عليه في 1990… استقبلته، وأخبرته بأن من الأفضل له ألا يتورط في (نشر أفكار طالبان)… كان يحرض المصلين. وطُلب منه أن يتوقف”.

وبعد عودة بن لادن إلى أفغانستان بحلول 1996 وحصل على اللجوء، بدأت السعودية – بحسب الأمير تركي – تدرك أن لديها مشكلة وأرادت إعادته، وسافر الفيصل إلى قندهار للقاء زعيم طالبان آنذاك، الملا عمر، الذي رد بالقول: “أنا لا أكره أن أسلمك إياه، لكنه كان مفيدا جدا للشعب الأفغاني”.

لكن وبعدها بعامين، وفي زيارة أخرى لتركي إلى أفغانستان، كان الملا عمر رجلا مختلفا، كان متحفظا أكثر، يتعرق بغزارة. وبدلا من أن يتحدث بنبرة معقولة، قال “كيف تحاكم رجلا بهذه القيمة كرس حياته لعون المسلمين؟”، ورد عليه مدير الاستخبارات السعودية آنذاك بقوله، إنه سيلحق الضرر بالشعب الأفغاني، وغادر.

وعقب هجمات القاعدة على سفارتي الولايات المتحدة لدى كينيا وتنزانيا، كان بن لادن تحول للمطلوب رقم واحد لدى أجهزة مكافحة الإرهاب حول العالم.

وقال ضابط استخبارات بريطاني لـ”الجارديان”: “ليس هناك أدنى شك بأنه تعمد اختيار مواطنين سعوديين لتنفيذ مخطط 11 سبتمبر/أيلول. كان مقتنعا بأن هذا سيحشد الغرب ضد بلده. وقد نجح في إشعال حرب، لكن ليست الحرب التي توقعها”.

ويقول الأمير تركي إن جهاز الاستخبارات السعودي بقيادته كان يعرف خلال الشهور التي سبقت هجمات سبتمبر بأن شيئا كبيرا يجري التخطيط له، “لم نكن نعرف أين، لكن كنا نعرف أن شيئا ما يجري التخطيط له”.

وحاليا يعيش في جدة اثنتان من زوجات بن لادن، واحدة منهما كانت تعيش معه بمجمعه في أبوت آباد، وأطفاله. لكن مشكلة العائلة بوجه عام الآن، تتمثل في حمزة، 29 عاما، نجل زعيم القاعدة، الذي يبدو أنه اتخذ – متجاهلا مناشدات العائلة – مسار والده، تحت رعاية زعيم التنظيم الحالي، أيمن الظواهري؟ وصنفت الولايات المتحدة حمزة، الذي يعتقد بوجوده في أفغانستان، إرهابيا عالميا العام الماضي.