شرطة بروكسل تكثف إجراءاتها الأمنية في موقع الحادث

اتخذت السلطات البلجيكية حِزمة من القرارات في أعقاب وقوع هجمات بروكسل، الثلاثاء، إذ تم رفع مستوى التهديد في العاصمة إلى أعلى مستوى، وتعزيز الرقابة على الحدود والدفع بعدد إضافي من ضباط الشرطة، وإلغاء جميع الرحلات الجوية من وإلى مطار بروكسل إلى أجل غير مسمى، مع تحويل مسار الرحلات المتجهة إلى هناك، فضلاً عن إيقاف حركة النقل بواسطة المترو والترام والحافلات، وتعليق خدمات ثاليس التي تدير القطارات فائقة السرعة وتربط عشرات المدن في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا.

كما طلبت السلطات من المواطنين المساعدة في العثور على نجم لاكراوي البالغ من العمر 24 عامًا، الذي تبين أنه متواطئ مع عبدالسلام، كما تكثف السلطات بحثها عن محمد عبريني، والذي تم تصويره مع عبد السلام داخل محطة للتزود بالوقود على الطريق السريع إلى باريس قبل يومين من وقوع هجمات 13 من تشرين الثاني/ نوفمبر.

وتبنى تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجيرات الدامية التي هزت أنحاءً متفرقة في بروكسل، الثلاثاء، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 30 شخصًا في المطار الدولي الرئيسي ومحطة مترو الأنفاق في قلب المدينة، وبالقرب من مقر الاتحاد الأوروبي، وقد جاءت تلك الهجمات بعد ساعات من عثور الشرطة على قنبلة لم تنفجر وتحتوي على مواد معدنية وكيميائية وعلم التنظيم خلال تفتيش أحد المنازل في العاصمة.

وبدأت أحداث العنف قبل الثامنة صباحًا مع انفجار وقع داخل صالة المغادرة في مطار بروكسل يعتقد أنه كان بواسطة قنبلة مخبأة في حقيبة، تبعه انفجار آخر بعد فترة وجيزة، ثم في تمام الساعة 11 : 9 صباحًا انفجرت قنبلة في إحدى عربات قطار مترو الأنفاق، وذكر المسؤولون أن التفجيرات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص في المطار و20 آخرين في محطة مترو الأنفاق، فضلاً عن إصابة أكثر من 230 شخصًا.

وقال رئيس وزراء بلجيكـا، شارل ميشيل، خلال مؤتمر صحافي، إن الهجمات التي كان الجميع يخشاها قد وقعت بالفعل، وأن هذه الهجمات تتسم بالعمى والعنف والجبن، ونادى عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" جميع المواطنين بأن يلزموا منازلهم لاحتمال وقوع مزيد من العنف، ونشرت وسائل الإعلام البلجيكية صورة مراقبة من المطار يظهر فيها ثلاثة رجال وهم يقومون بدفع عربات الأمتعة، بينما يظهر فيها اثنان يرتدون قفازات في يديهما اليسرى، ويرتدي الثالث قبعة داكنة وسترة بيضاء.

وأوضح المدعي العام البلجيكي الاتحادي، فريدريك فان ييو، في مؤتمر صحافي أن الرجال الذين كانوا يرتدون قفازاتٍ سوداء يرجح بكونهم انتحاريين، وأن السلطات تلاحق الرجل الثالث، مع مداهمة الكثير من المنازل، وذكر مكتب المدعي العام الاتحادي في وقتٍ لاحق في بيانٍ له، أن واحدة من عمليات البحث في ضاحية سكاربيك في بروكسل، قادت إلى اكتشاف "عبوة ناسفة تحتوي على مواد معدنية، وسط أشياءٍ أخرى"، وأشار البيان إلى أن المحققين عثروا على "مواد كيميائية وراية خاصة بتنظيم داعش.

وأغلقت السلطات في بلجيكـا المطار في بلدة زافينتيم والذي يبعد سبعة أميال عن وسط مدينة بروكسل، مع فرض حالة الطواري في المنطقة بأكملها، وذلك في أعقاب الإنفجار الذي وقع في المطار الدولي الرئيسي وأصيب على إثره الركاب المسافرين المصطفين أمام شباك الصالة بالذعر المفاجئ، فيما عمّت الفوضى داخل صالة المغادرة التي تحولت إلى فخ للموت نتيجة وقوع الانفجارات مع تصاعد ألسنة اللهب والدخان وانتشار الزجاج المتطاير والشظايا.

وذكرت إحدى الركاب المسافرين وتدعى إيلاريا روغيانو، والتي كانت في طريقها للسفر برفقة ستة آخرين بما فيهم والدتها، أنهم سمعوا ضجة ورأوا ومضة كبيرة، وقد أصيبت والدتها جراء سقوطها على الأرض، كما كان هناك طفل ينزف بشدة وحاولت مساعدته بالمناديل الورقية ولكن ذلك لم يكن كافيًا.

وأعلن داعش مسؤوليته عن هذه الهجمات في بروكسل عبر وكالة أنباء "أماك" التابعة له، حيث ذكر أن مقاتلي التنظيم نفذوا سلسلة من التفجيرات بالأحزمة والعبوات الناسفة، الثلاثاء، استهدفت المطار ومحطة مترو مايلبيك المركزية وسط العاصمة البلجيكية، بروكسل، وهي إحدى البلدان المشاركة في التحالف ضد تنظيم داعش، ووقعت هذه الهجمات بعد أربعة أيام من توقيف صلاح عبدالسلام أكثر الرجال المطلوبين في أوروبا، وهو الناجي الوحيد من بين 10 رجالًا يعتقد أنهم متورطين بشكل مباشر في هجمات داعش التي أسفرت عن مقتل 130 شخصاً في باريس وما حولها في 13 من تشرين الثاني / نوفمبر.

وتعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمحاربة التطرف بلا هوادة، على الصعيدين الدولي والداخلي، مضيفاً أن هجمات بروكسل تنال من أمن أوروبا كلها، وأمرت الحكومة الفرنسية بالدفع بمزيد من التعزيزات الأمنية ونشر 1600 من ضباط الشرطة بشكل إضافي لحراسة حدود البلاد، بما في ذلك في محطات القطارات والمطارات والموانئ، كما شهد البرلمان الفرنسي وقوف الجمعية الوطنية الفرنسية وهو المجلس الأدنى لحظة صمت حداداً على أرواح الضحايا، بينما أضيء برج إيفل مساء الثلاثاء بألوان العلم البلجيكي.

ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى عقد اجتماع طارئ للوزراء، أما وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، فقد قال إن الهجمات استهدفت قلب أوروبا، وأبدى البابا فرانسيس تعازيه لعائلات الضحايا، كما أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما من هافانا، عن تضامنه مع الضحايا في بروكسل، مشدداً على ضرورة الاتحاد لمجابهة التطرف والوقوف جنباً إلى جنب بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو العقيدة، كما أكد إمكانية هزيمة التطرف ودحر أولئك الذين يهددون سلامة وأمن الناس في جميع أنحاء العالم.

وكان خبراء أمنيون قد حذروا منذ وقوع هجمات باريس، أنه من المرجح أن تشهد أوروبا موجة جديدة من العنف عبر تنفيذ الهجمات من قبل تنظيم داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة، وأظهرت هجمات باريس أن حجم وتعقيد الجهود التي يبذلها تنظيم داعش لتنفيذ عمليات في أوروبا كانت أكبر مما يعتقد الكثيرون في البداية، كما أشار المحللون إلى الضعف الذي تعاني منه أوروبا نتيجة التدفق الكبير العام الماضي للمهاجرين غير الشرعيين إلى القارة من الشرق الأوسط، وكذلك حركة المواطنين الأوروبيين بين بلدانهم وسورية للقتال مع داعش، فضلاً عن المشاكل المستمرة في تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأوروبية وحتى بين وكالات الأمن المتنافسة في بعض الدول.

وتضم بلجيكا نسبة عالية من المواطنين الذين سافروا إلى سورية أو العراق، إضافةً إلى وجود مجتمعات إسلامية إنعزالية ساعدت المتطرفين على الاحتماء فيها، فضلاً عن الأجهزة الأمنية التي كان لها مشاكل مستمرة في القيام بعمليات مكافحة التطرف واستغرقت أربعة أشهر لإلقاء القبض على عبدالسلام.

وذكر جيروم ديلانويز، وهو أحد الركاب المسافرين، أنه وبينما كان يجلس على مقهى للإنترنت قريب من شباك حجز تذاكر الخطوط طيران دلتا، سمع دوي انفجارين أحدث أولهما ضجة كبيرة وحطم الجدران وكل شيء، أما بيليندا هو من ماليزيـا والتي كانت تقضي عطلتها في بروكسل سمعت دوي انفجار أثناء حجز رحلتها على متن خطوط طيران الاتحاد، وضجّت حينها الصالة بالصراخ، وظهرت صور عبر مواقع الإنترنت لركاب ملطخين بالدماء وآخرين يجرى إبعادهم على عربة الأمتعة، فيما أظهرت لقطات أخرى ألسنة الدخان وهي تتصاعد من صالة المغادرة، وكذلك النوافذ المحطمة.

وقال محافظ فليميش برابانت، لودويك دي ويت، التي تحيط بالعاصمة بروكسل أن عبوة تفجير ثالثة كان قد تم زرعها في المطار ولكنها لم تنفجر، وبينما هرعت فرق الطوارئ والإنقاذ إلى المطار الذي سجل 23,5 مليون راكب العام الماضي، فقد هز انفجار مدوي وسط مدينة بروكسل حيث محطة مترو مايلبيك المكتظة في ساعة الذروة، وكان بريان كارول (31 عاماً) وهو مستشار للاتصالات من واشنطن في إحدى عربات المترو بالقرب من مايلبيك في طريقه إلى حضور مؤتمر وسط مدينة بروكسل حينما سمع دوي انفجار قوي.

وأضاف كارول في مقابلة هاتفية أن ألسنة الدخان انتشرت في أرجاء المكان وانخفض الجميع على الأرض وكان هناك أشخاص يصرخون ويبكون، فما كان منه إلا أن نهض بعد دقيقة أو دقيقتين وفر هارباً من عربة المترو متجهاً إلى بوابة الخروج من المحطة.