التحرش

فرق قضاة محاكم بين جريمتي، التحرش وهتك العرض، مؤكدين أن الأخيرة عقوبتها أشد، وتحدث في الأماكن المغلقة والعيادات الطبية، فيما تشير احصائية أصدرها المؤتمر العراقيّ الأوّل من نوعه بشأن ظاهرة التحرّش الجنسيّ، في أيلول/سبتمبر 2015، وأعلن أنّ 77% من العراقيّات يتعرّضن إلى التحرّش.

وقال قاضي محكمة تحقيق الحلة، صدام علي، التي اطلع عليها"اليمن اليوم "، الخميس، إن "مصطلح التحرش يعني كل فعل يرتكب ضد شخص ذكرا كان أم أنثى، فعلا مخلا بالحياء بغير رضاه أو رضاها"، لافتا إلى أن "الفعل يشمل بصيغة أخرى، كل من تعرض إلى أقوال أو أفعال وحتى إشارات مخلة بالحياء". وأضاف أن "حالات التحرش غالبا ما تكون في الأماكن العامة كالأسواق والمتنزهات وحتى عيادات الأطباء".

وأشار إلى أن "التحرش كأي جريمة أخرى يعتمد أقوال المشتكي، ووسائل الإثبات الأخرى كالشهود". وأوضح أن "الضحية عندما تقديمها للشكوى، تبدأ المحكمة بتدوين أقوالها وتطلب حضور الشهود، إذا ما كانوا موجودين ثم تتخذ الإجراءات المناسبة"، مشيرًا إلى أن "المحكمة تأخذ بعين الاعتبار سلوك المشتكية ووضعها الاجتماعي، فقد لا تكون الجريمة ضمن باب التحرش، كما في قضايا كثيرة يظهر أن المتهم له علاقة سابقة بالمشتكية، لكنها أدعت عدم معرفتها به، فالمحكمة تطلب في حالات معينة المعلومات المتعلقة بالهواتف، وسحب المراسلات الخاصة وسجل المكالمات".

وبيّن أن "للقاضي الذي ينظر بالقضية، حق تقدير العقوبة بحسب الظروف الواقعة التي حددتها القوانين، بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة مالية لا تقل عن مئتي ألف دينار، ولا تزيد على مليون دينار".

وأشار القاضي حسين مبدر حداوي إلى أن "أغلب حالات التحرش يلقى القبض على المتهمين فيها بالجرم المشهود، إذ تقوم القوات الأمنية المنتشرة في الأماكن العامة، بإلقاء القبض على المسيء للآداب العامة، أو نتيجة شكوى لدوريات النجدة القريبة من محل الحادث". وأضاف أن "المحاكم تعتمد الكثير من وسائل الإثبات، منها كاميرات المراقبة في الأسواق والمتنزهات".

وأكد أن "هذه الجريمة، تعني التهجم والملامسة الفعلية لمناطق من جسد المرأة، من غير أن تصل إلى الاعتداء الجنسي"، موضحًا أن "هتك العرض يكون عادة في أماكن مغلقة كالعيادات الطبية وداخل المحال والدوائر". وبين أن "بعض الكوادر الطبية تواجه اتهامات، من هذا النوع نتيجة اعتداء أصحاب النفوس الضعيفة، منهم على المراجعات إلى عيادات السونار والتضميد وغيرها".

وخلص حداوي إلى أن "بعض شكاوى التحرش غاياتها الابتزاز المالي، من خلال الضغط على المتهم لكسب الفصل العشائري". وازاد أن "القانون لم يهمل الاعتداء على الذكور، لكن هناك تغاض مجتمعي عن اللجوء إلى القضاء، على الرغم من وجود هكذا حالات في المجتمع".

ولا يتوافر إحصاء حديث عن نسبة التحرّش في المجتمع العراقيّ، عدا تقرير أصدره المؤتمر العراقيّ الأوّل من نوعه حول ظاهرة التحرّش الجنسيّ، في أيلول/سبتمبر 2015، وأفاد أنّ 77% من العراقيّات يتعرّضن إلى التحرّش. وعلى الرغم من صعوبة إقرار النساء بحالات تعرّضهنّ إلى التحرّش، لأسباب شخصيّة واجتماعيّة، إلّا أنّ صفاء علي، قالت "لقد عشت التجربة، واضطررت إلى الابتعاد عن الموقف المحرج على الفور"، لتؤكّد أيضاً أنّ "بعض الفتيات يتمّ استهدافهنّ بالفعل، عبر التحرّش بهنّ، لفظيّاً أو جسديّاً".

وفي تعزيز لتشخيص علي، تقول هبة نور الدين إنّ "الظاهرة تستفحل بالفعل، وما كشفته النائب عالية نصيف ومؤتمر منتدى الإعلاميّات، يعكس الحقيقة"، مشيرة إلى أنّ "بعض المسؤولين والزملاء في العمل ينظرون إلى المرأة كجسد فقط". وفي تناسق مع الشهادات الميدانيّة هذه، يكشف الباحث الاجتماعيّ ورئيس الجمعيّة النفسيّة العراقيّة الدكتور قاسم حسين صالح، أنّ "الظاهرة تتفاقم، لا سيّما في مؤسّسات الدولة، بسبب شيوع الفساد السياسيّ الذي يرتبط بعلاقة جدليّة مع الأزمة الأخلاقيّة".

وفي تحليل نفسيّ للظاهرة، قال صالح إنّ "الكثير من المسؤولين، من أصحاب التعليم البسيط والذين لم يخبروا الاختلاط والانفتاح الثقافيّ في فترات الدراسة الجامعيّة والحياة العمليّة، وجدوا في التحرّش الجنسيّ وسيلة للتعويض عن نقص اعتباريّ- اجتماعيّ".

وتضيف النائب في البرلمان العراقيّ ورئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل رحاب العبودة، أنّ "التحرّش يلاحظ بوضوح في بيئة العمل، وفي المؤسّسات المهمّة، لكنّ الضحايا من النساء لا يقمن بتحريك شكوى عن التحرّش، لتجنّب الفضيحة".

وفي الوقت الذي يشير مدير إعلام مكتب المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في بغداد جواد الشمري، إلى أنّ "الظاهرة هي أحد تفاعلات الفساد الماليّ والإداريّ في البلاد"، فإنّه يشير إلى أنّ "التحرّش الجنسيّ بالمرأة ومضايقتها في عملها وفي الشارع ، هما اعتداء على حقوق الإنسان التي أقرّتها المواثيق الدوليّة".

وأضافت دراسة لباحثة أكاديميّة عراقيّة في 16 كانون الثاني/يناير 2017، أسباباً أخرى للتحرّش، وهي أساليب التربية التي لا تجعل النظرة المجتمعيّة متساوية بين الذكر والأنثى، والتفكّك الأسريّ، العامل النفسّي حيث المتحرّش فاقد الثقة بنفسه، ممّا يجعله عنيفاً، غير قادر على بناء علاقات متوازنة.

وفي صدد هذه القوانين، فإنّ الفصل الثالث الخاصّ بالفعل الفاضح المخلّ بالحياء، المادّة 400، يفيد أنّ "من ارتكب مع شخص، ذكراً أو أنثى، فعلاً مخلّاً بالحياء بغير رضاه أو رضاها، يعاقب بالحبس مدّة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين".