العادات الرمضانية للتونسيين

لشهر رمضان في تونس مميزات عديدة، فالتونسي يقدس هذا الشهر ويجله إجلالًا خاصًا، باعتباره أحد أركان الإسلام، ونجد حتى غير المصلي يحرص على القيام بتلك الفريضة ويستعد لها بل ويتحدى حتى قسوة الطبيعة وحر الصيف للتقرب من الله تعالى ونيل رضاه، ونجد العديد من التونسيين يتجاوزون الفريضة إلى النوافل، فتجدهم في الصفوف الأولى في صلاة التراويح، كما يحرص الكثيرون على ختم القرآن الكريم ويتنافسون في ذلك ذكورًا وإناثًا. 

ولعل ذلك ينعكس على المزاج العام في الشارع، فالصوم ليس مجرد علاقة روحية بين العبد وربه، بل يتجاوز ذلك ليشمل العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، والصفات الروحية التي يتحلى بها كل فرد تنعكس على سلوكه الاجتماعي، فتتحسن الأخلاق العامة ويقوى التضامن الاجتماعي، إذ يقرب الصيام بين العبد وربه بقدر ما يقرب بين الإنسان وأخيه لذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهر المواساة. 

ويميل التونسي عادة إلى العبادات الجماعية التي يغلب عليها الطابع الاحتفالي أكثر من العبادات الفردية، فالصيام في رمضان عبادة ذات مظهر اجتماعي لأن المسلمين يصومونه معًا وينعمون بعيده معًا، وهو فرصة سنوية تتجدد فيها الحياة الاجتماعية على مستوى العيش وتجديد نمط الحياة، فتتغير مواعيد الوجبات والزيارات، فالنهار للصوم والمغرب للإفطار الجماعي، وهو ما قد لا نجده عند أغلب العائلات التونسية في سائر العام إلا في عيد الأضحى، والليل لصلاة التراويح ثم سهرات المقاهي أو السهرات العائلية إلى ساعة متأخرة.

وما نجده في تونس قد لا نلحظه في بلدان إسلامية أخرى، وخلال هذا الشهر الفضيل تتزين موائد التونسيين بالأكلات والأطباق الشعبية الشهيرة، فتتصدر "البريكة التونسية" موائد كل البيوت، وتختص كل جهة بأكلة مميزة، حيث يختص سكان العاصمة بطبق "الرفيسة" المكون من أحد أنواع الخبز المحلي المطبوخ بالتمر والزبيب، أما في الشمال الغربي فتحضر "العصيدة" بالدقيق والعسل والسمن للسحور، وفي الجنوب "البركوكش" المكون من الدقيق المخلوط مع الخضار.

فيما لا تغيب "دقلة النور" هي الأخرى عن مائدة الإفطار طوال شهر رمضان، رغم ارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد منها، إلى جانبها الحليب واللبن يتوسطهما طبق "الشربة" أو "الدشيشة" في الغالب، وفي الأطراف أطباق مختلفة الأنواع من السلطة، دون أن ننسى الطاجين التونسي المكون من الدجاج والعظم والبطاطا والبقدنوس.
 
وتمثل الحلويات زينة السهرة التونسية في رمضان، كل حسب مقدرته الشرائية، منهم من يواظب على اقتنائها ومنهم من يعدّها في منزله، وتعتبر "المخارق" و"الزلابية" و"الصمصة" و"المقروض" القيرواني أبرزها.

وفي السحور نجد في بعض البيوت طبق "المسفوف"، وهو طبق من الكسكسي المطبوخ الذي يتمّ خلطه وتزيينه بالسكر والتمر والرمان بشكل رئيسي، وفي بيوت أخرى "العصيدة" المكونة من الطحين وزيت الزيتون أو الحساء.

ويرتفع الآذان وتتزين الصوامع والمساجد، ويتسابق التونسيون عقب إفطارهم لأداء صلاة التراويح ومواكبة مجالس الذكر وحلقات الوعظ الديني والمحاضرات والمسامرات الدينية، وتشهد الجوامع نشاطات دينية منوعة طيلة شهر رمضان، ويتحول جامع الزيتونة في العاصمة وجامع عقبة بن نافع في القيروان، إلى وجهة لآلاف الزوار من الدول العربية والإسلامية، لا سيما في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر الكريم وليلة الـ27 التي تختم فيها تلاوة القرآن..