الفنان الراحل فيصل علوي

جمع الارتباط التاريخي الأزلي الروحي الإبداعي والإنساني، الأمير أحمد فضل القمندان، والفنان فيصل علوي، الذي حمل على عاتقه مهمة توصيل "الرسالة الفنية"، بكل شفافية وصدق وأمانة للأجيال المتعاقبة في كل أنحاء المعمورة، قائمًا بذلك الجهد المضني الشاق يدفعه إليه انتمائه وعشقه وحبه الكبير "لقدسية وأهمية ما قدمه الأمير القمندان، من خدمة أدبية فنية غنائية ثقافية جليلة، وأكد من خلالها هوية ومذاق وخصائص الغناء اللحجي الأصيل بنكهته المتفردة المتميزة.

واستطاع فيصل علوي صاحب الصوت العابر للقارات، أن ينفض غبار الزمان من الأغنية اللحجية، وأعطاها ووهبها من روحه ونبضه وفؤاده وبراعة عزفه المتمكن المتقن الساحر، عناصر ومقومات الاستمرارية والديمومة والخلود، مجسدًا أهـم وأدق تفاصيلها ومـذاقها وخصائصها الفنية الإبداعية، متبنيًا كل ذلك الدور الفاعل والمؤثر "بصوته الإلهي الهبة"، على بساط حنجرته "الذهبية"، التي طافت وحلقت "ببساتين الحسيني والرماده وجداولها الرقراقة"، ووديان وسهول وهضاب وروعة جمال الطبيعة الخلابة الآسرة في لحج الخضيرة، إلى مدارات وفضاءات رحبة شاسعة وكونية.

وتتميز أغنياته وألحانه وأحاسيسه المتوهجة ومشاعره المتدفقة بـ "السيل المنهمر"، ووضع كل ذلك الجهد المبذول بشكل راق ومبهر في أسلوب غنائه وعزفه الساحر الأخاذ، واستطاع بن علوي ببراعة واقتدار أن يروي ويسقي ظمأ وعطش قلوبنا التي أمتلأت بتلاوين عزفه وصوته، وبكل ما لديه من طاقات خلاقة وفذاذة وحضور لافت، زارعًا بين ثنايانا ونفوسنا وشغاف قلوبنا الخير والتسامح، فكسانا والبسنا رداء المحبة بفيض من عطاءاته وفنونه وروحه الرومانسية الحالمة المعطرة بسحابات ومزن الجمال والأمل والتفاؤل، "فيصل علوي سيمفونية القمندان الخالدة المتجددة والصوت العابر للقارات"، ونستطيع القول أنه يـُعـد ثروة قومية جمالية وإنسانية، وشمت بمشوارها الفني المتألق وحُفظت في الذاكرة والضمير والوجدان الوطني والعاطفي على امتداد التاريخ الغنائي الموسيقي اليمني القديم والمعاصر".

وكان الأمير أحمد فضل بن علي العبدلي "القمندان"، مؤرخًا وشاعرًا وفنانًا سابقًا لعصره وزمانه، واستطاع أن يوقف عجلة دوران الزمان والمكان، "بحرفية العظماء من رواد الفكر والتنوير أرخ تاريخ لحج"، من خلال ما قدمه في نتاجه وعطائه الفني الإبداعي الثري والضخم، ونجح في كتاب "هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن في رصد ذاكرة التاريخ السيــاسي - الثقــافي - الفنــي - الأدبــي – العسكري - الاجتماعـــي- الاقتصــــــادي"، والمحافظــــــة على التراث والأصالة.

وقام بتجميع وتدوين وتوثيق واستخدام كل الألفاظ والمفردات والعبر من منابعها الأصلية ليضمها بين دفتي (قاموس لغوي بالغ الأهمية) تجسد في ديوانه الشعري الفاخر والبديع (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد)،كانت لحج الخضيرة ومازالت حاضرة بين أشعاره ودواوينه التي وثقت ودونت بالكلمة والنغمة الرقصات الشعبية والإيقاعات المتعددة المتنوعة المعبرة في تراكيبها وتفاصيلها الفنية عن طقوس وعوالم ساحرة موغلة في عمق الأرض والحضارة والتاريخ وتتحدث عن مناسبات مرتبطة بمكونات الزراعة والجني والحصاد و الصرابة والاستسقاء ومواسم هطول الأمطار على إمتداد فصول العام والسنة بمختلف مناخاتها وتضاريسها المتقلبة، (نجح القمندان في التقاط اللحظة الزمنية بذهن صافي عبقري قلما يجود بمثله الزمان)، رسم في دواوينه وقصائده وأشعاره وألحانه خارطة موطنه ووطنه وسجل بأنصع صفحات التاريخ والوقائع الانتصارات والانكسارات الأفراح والأحزان التي مرت بها ( لحج) الفن والثقافة والإبداع العراقة والأصالة.