الطفل محمد

عانى الطفل محمد، من تسول قسري، غالبية أعوام عمره، مما أدى إلى إصابته باضطرابات سلوكية شديدة، إضافة إلى أمراض معوية عدّة، مرتبطة بسوء التغذية. وأوقفت فرق التسول محمد، صاحب الـ 14 عامًا، قبل أسبوعين، وتم تحويله لاحقًا إلى مركز رعاية المتسولين في بغداد.

وظهرت على الطفل سلوكيات غريبة، أبرزها استغرابه من شكل وجبة الغذاء، فضلًا عن جهله التام بالأساليب اللائقة لتناول الطعام. وبعد متابعة الأخصائيين الاجتماعيين لحالته، تبين أن المصدر الوحيد لمحمد لتناول الطعام، كان حاويات القمامة في الشوارع، إذ كان التوجه للحاوية بمثابة استراحة الغداء، أثناء ممارسته التسول، وأنه لم يعرف يومًا أيًا من أشكال الطعام في بيته

ومارس محمد التسول منذ سن صغيرة، إذ كانت أسرته تستغل وجود طفل رضيع، للحصول على مبالغ مالية أكبر، وعندما بلغ سن 6 أعوام، بدأ بممارسة التسول بشكل منفرد، ولكن برقابة أحد أفراد أسرته عن بعد. ولم يحظ محمد كغيره من الأطفال بفرصة الالتحاق بالتعليم، سواء النظامي أو غير النظامي. ورغم المبالغ المالية، التي كان يجمعها محمد يوميًا، لم يسمح له بصرف 1000 دينار منها على نفسه، وكان يقوم بتسليمها مباشرة لوالده.

وفي حكاية مماثلة الأب سكير والأم صابرة والأطفال بين حنان أمهم وقسوة أبيهم، هي صورة العائلة التي تجسدت كثيرًا في أفلام السينما والمسلسلات التلفزيونية٬ لكنها حقيقة موجودة على أرض الواقع. وبطلة القصة رقية، الطفلة المصابة بشلل الأطفال٬ أنقذت أهلها من التشرد، وصارت عائلتها تتلقى موردًا من المال، وكل أسبوع قدره 400 دولار.

وكانت رقية في الخامسة من عمرها٬ وتوفيت بعد عامين، لضعف مناعتها وإصابتها بنوبات قلبية مرات عدة. وإذ نصح الطبيب والدتها بألا تعرضها للإجهاد٬ بعد أن علم أنها ووالدها يصحبانها كل يوم للتنزه. والحقيقة إن حياة رقية مرّت بلا نزهات، فوالدها حوّلها إلى سلعة يؤجرها لشبكات التسول. وكانت تصحبها إحدى السيدات للتسول يوميًا، وعند الغروب تعيدها إلى أهلها. كان مرض رقية يشتد، وكلما زادت أوجاعها كان والدها يرفع سعر إيجارها٬ لأن رؤية الناس لطفل عاجز ومريض يحنّن قلوبهم٬ ما يعني أن المورد اليومي يكبر.

وقصة أخرى بطلها حسن جاسم، 48 عامًا، الذي تحول خلال خمسة أشهر إلى مشرد بعد أن كان يملك منزلًا صغيرًا في أطراف بغداد. اضطر إلى بيعه وبيع سيارته ومصاغ زوجته، كما استدان المال من أقاربه، كي يسدد دية مقتل شخص في نزاع عشائري٬ كان جاسم طرفًا فيه مع إخوته.

وأضاف جاسم، "الآن استأجرت منزلًا، ولا عمل لي بعد أن بعت سيارة الأجرة، مصدر رزقي". وجاسم يعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم٬ ولا يقوى على العمل الشاق، ولم يكن أمامه سوى افتراش رصيف سوق شعبي وبيع السجائر. وتحن قلوب المارة عند رؤيتهم أطفالًا مرضى، فما كان منه إلا أن رضخ لنصيحة جاره، بأن يُشغل ابنه في التسول مع "جماعة ثقة لدى جاسم أربعة أطفال٬ وزوجته مريضة بالكلى وتحتاج علاجًا مستمرًا، "موثوق بهم" كما يفعل كثير غيره. ويتابع جاسم أن أحد أبنائه تبرع بحمل المسؤولية٬ حين عرض عليهم الأمر. وبعد أكثر من عام على عمل ابنه بالتسول، تمكن جاسم من سداد دينه. وتحسن وضعه، الذي قرر التفرغ لهذه المهنة حتى تنتهي أزمات عائلته، ويلمح جاسم إلى نيّته بإيقاف ولده عن أسرته، والتزم أولاده بالدراسة٬ ما عدا ولده المتسول وعمره 11 عامًا يمكنه من شراء سيارة لنقل البضائع. ويلفت إلى أن التسول يوفر عائدًا ماليًا يعادل عمل عشر سيارات نقل التسول.