المثليون

أعيش في جسد لا يشبهني، جسم غريب عليّ، شكل بعيد عني، عن أفكاري وميولي وتطلعاتي".. باختصار هذه حالة معظم الأشخاص الذين حكم عليهم القدر بهوية جنسية بعيدة عنهم، فوقعوا ضحية جسد لا يريدونه وشكل ينفرون منه، مما جعلهم يعانون الأمرين: عدم انسجامهم مع أنفسهم وعدم تقبل المجتمع لهم، خاصة في عالمنا العربي حيث يعتبر المثلي "شاذًا" وخارج عن "الطبيعة" فتلاحقه جميع الأعين أينما ذهب ويصبح حديث الناس أينما حلّ، ناهيك عن تربّص السلطات به.

وفي هذه الأجواء أنقسم المثليون إلى فئتين : واحدة تحاول كبت ميولها ونكران ذاتها خوفًا من فضح أمرها والتعرض لمضايقات وضغوطات جمّة، وأخرى سئمت من محاولة التخفي ورأت أن تثور وتتمرد على واقعها، فقررت أن تتصرف وفق أهوائها من دون خوف أو خجل.

وبالرغم من أن لبنان يعدّ بلد الحريات والمدافع عن حقوق الإنسان، إلا أن الذهنية اللبنانية لا تتقبل بهذه السهولة المثلية الجنسية لا بل تحاربها، ومن هنا وبعد سلسلة مضايقات وصلت لحد الإقصاء الاجتماعي وحتى الاعتقال والسجن، انتفض المثليون في لبنان وقرروا أن يكسروا حاجز الخوف ويرفعوا الصوت عاليًا ويطالبوا بحقوقهم خاصة في ظل مجتمعات شرقية تدينهم وألسنة لا ترحمهم.

أول لقاء علني للمثلية الجنسية في لبنان منذ بضعة أيام تصدر موضوع المثلية الجنسية عناوين الصحف والمجلات وحظي باهتمام الرأي العام في لبنان، خاصة في ظل تحرك الجمعيات والمنظمات الغير حكومية المدافعة عن حقوق المثليين والمتحولين جنسًيا، والتي رأت تحويل شهر أيار/مايو إلى شهر حافل بالمؤتمرات والاحتفالات والنشاطات التي تجاهر بحقوق المثليين، وفي هذا السياق نظمت مجموعة "بيروت برايد"، لقاء في "ستايشن" بيروت حضره نحو 250 شخصًا، وركز اللقاء، الذي يعد الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، على شهادات المثليين الذين رفعوا النقاب عن معاناتهم وتحدثوا من دون خجل عن مشاعرهم والصعاب التي يواجهونها في مجتمع لا يتقبلهم ويعاملهم برفض وقساوة.

في هذا السياق كشف "محمد"، كيف تلقت عائلته خبر ميوله الجنسية وكيف صاح به والده: "نحن عائلة رجال..إن بقيت هكذا سنطردك"، مشيرًا إلى أن والده طلب منه أن يكثر التردد على المساجد والذهاب إلى أطباء لمعالجة وضعه غير أن كل هذه الأمور لم تفلح معه، بدورها روت الشابة "غيدا" كيف أن والدتها كانت تبكي بعدما علمت بأن ابنتها مثلية وكانت تقول لها باستمرار: "لا أريدك أن تدخلي جهنم"، كما أشارت إلى أن هذا الكلام كان يفطر قلبها لأنها لمست مدى خوف أمها عليها، كما قالت "ليا"،  وهي شابة مثلية: "لا أحب الرجال"، متحدثة عن مدى انجذابها للنساء وانعدام أي انجذاب لديها للرجال، هذا وأخبرت عن صدمة أستاذها في الجامعة حين رآها تقبّل صديقتها.

في الواقع أن "بيروت برايد"، يأتي تتويجًا لسنوات من التعبئة الشعبية المنطلقة من الاجتماعات السرية والأحاديث التي تدور "تحت الطاولة" وغرف الدردشة عبر الإنترنت، وهذا الحدث الفريد من نوعه يتميز بمجموعة نقاشات، ولقاءات، وأفلام، وعروض، ومحترفات، ومشاركات مفتوحة للعامة، في هذا السياق أكد المنظمون أن "بيروت برايد" هي منصة إيجابية تحارب الكراهية والتمييز خاصة لناحية الهوية الجنسية.

من جهته أوضح مؤسس "بيروت برايد"، هادي داميان لـ"سي أن أن"، أن "حملة بيروت برايد كانت نتيجة لعقد العديد من الاجتماعات مع المنظمات غير الحكومية، والفنانين، والنوادي الليلية،"، مؤكدا أن "بيروت برايد لا تتطلع إلى تعزيز الحقوق القانونية مثل زواج المثليين، ولا إلى إلغاء المادة 534 من قانون العقوبات، والتي تحظر الأعمال الجنسية التي تتنافى مع قوانين الطبيعة، إنما السعي إلى تحييد المثليين، للمساعدة في تجاوز التسميات التي تنفر الأفراد من هويات جنسية معينة" وأوضح أن "هذه المبادرة تأتي لتندد بطرق سلمية للغاية، بجميع أنواع الكراهية والتمييز، ولكننا نعمل بالتحديد مع الهوية الجنسية".

اللافت أنه يوم الأحد أختتم مناصرون لحقوق المثليين أسبوعًا من الأنشطة هي الأولى من نوعها في لبنان والعالم العربي، بعيدًا عن الأضواء خشية من أي تدخل للإسلاميين أو القوى الأمنية، وبالتالي عوضًا عن التظاهرة التي عادة تعرف في دول العالم بـ"غاي برايد"، واكتفى الناشطون في لبنان بتنظيم لقاءً بعيدًا عن الأضواء في منطقة البترون التي تقع شمال بيروت.

وفي إطار التحركات والأنشطة الداعمة لحقوق المثليين، تفاجئ اللبنانيون منذ بضعة أيام بإعلان تابع لسلسلة مطاعم "كريباواي" والذي أثار جدلًا كبيًرا، ففي الاعلان الذي نشر أخيرًا على الانترنت والتلفزيون ظهرت صبيتان تتبادلان القبل على شاطئ البحر مع جملة تتردد:" لا تخفوا علامات القبل"، وعن هذا قال مدير الاتصالات في شركة كريباواي لشبكة "سي ان ان" ماريو تومي، إن الإعلان تضمن "اشخاًصً نراهم في كل مكان حولنا"، وأضاف: "نحن ندرك الآن أكثر فأكثر مدى تأثير ذلك على أفراد كانوا بحاجة إلى شخص يوليهم الاهتمام أو الاحترام، ونحن في الحقيقة لم نكن نريد أن نستثني أحدا".

في الواقع طريق المثليين ليست مفروشة بالورود، إذ يبقى موضوع المثلية الجنسية موضوعًا شائكًا وحساسًا في لبنان والعالم العربي، فبالرغم من الانفتاح والانفلات الاجتماعي أحيانا إلا انه ما زالت الذهنية المحافظة ترفض كل ما هو مخالف للطبيعة، وتبقى السلطات اللبنانية بالمرصاد، فالشرطة لطالما داهمت الملاهي الليلية وأماكن السهر التي يشاع أنها مقصدًا للمثليين وأغلقتها بـ"الشمع الأحمر"، كما أن القانون يحرم العلاقات المثلية وتنص المادة 534 من قانون العقوبات على السجن سنة واحدة على كل شخص ينخرط في "علاقة مخالفة للطبيعة".

وفي سياق متّصل، أشارت بعض استطلاعات الرأي تبيّن أنه في لبنان هناك 18%  من الأشخاص يعتبرون أنه من الضروري تقبل المثليين في حين أنه في الأردن مثلا أعرب 97% من الناس عن رفضهم للعلاقات المثلية، الأمر نفسه ينطبق على مصر، تونس والأراضي الفلسطينية، أما في بعض البلدان الأخرى مثل المملكة العربية السعودية، اليمن، موريتانيا وإيران فان السلطات تعتبر أن المثلية "جرم" وبالتالي تحكم على المثليين بالموت.

وبالعودة الى المضايقات التي يتعرض لها بعض الأشخاص في لبنان، شهد الإثنين الماضي التنديد بواحد من أكثر الإجراءات المهينة التي يتعرض لها المثليون، وهي الفحص الشرجيK tقبل ثلاثة أعوام خضع شاب مثلي عشريني، لتحقيق قاس وهو معصوب العينين على مدى ست ساعات، وكان هذا الموضوع قد أثار استياءً شعبيًا واسعًا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وُصف حينها بأنه "فحص العار"، مما دفع نقابة الأطباء في لبنان الى حظر إجراء هذا الفحص.

في الإطار نفسه تحدثت إحدى الناشطات عن الإجراءات العنيفة بحق المثليين في لبنان، فقد اعتقلت السلطات اللبنانية طارق (31 عامًا) لمدة شهرين نتيجة علاقته مع أبناء جنسه، حيث روى ما تعرض له في قسم حبيش حيث حُرم من أدويته وكان ضحية عنف السلطات اللبنانية، فقال لقد تعرضت للضرب والشتيمة، وكان الدم متناثرا في كل الغرفة، هذا وقد منعوني من آخذ أدويتي".

اللافت أن القمع لا يقف عند حدود الأجهزة الأمنية، إنما يتعرض المثليون أيضا لضغوطات من أهلهم ومحيطهم، فالمضايقات تبدأ من داخل المنزل وتحديدًا من الأهل، فيعيش المثلي خوفًا كبيرًا من فضح أمره وطرده من المنزل، وبالتالي يحاول جاهدًا إخفاء ميوله الجنسية وتلاحقه الضغوطات لحين دخوله إلى الجامعة وسوق العمل حيث تطاله الألسنة من كل حدب وصوب ويصوّب الناس عليه ويتهكمون على لبسه وتصرفاته وطريقة كلامه.

هيئة العلماء المسلمين وإنذارها الأخير ضد المثليين من جهته يقف الدين بوجه المثليين ويحاربهم بشتى الوسائل، على اعتبار أن المثلي لا يمكنه أن "يتنعم" بالجنة بل سيدخل جهنم نتيجة مخالفته لقواعد الطبيعة، في هذا الإطار وبالعودة إلى النشاطات الداعمة للمثلية الجنسية هذا الأسبوع، فقد تمكنت "هيئة علماء المسلمين"، من منع إقامة نشاط ثقافي وفني كان مقرراً في فندق مونرو في بيروت، ذلك من خلال إصدار إنذارات عدة من أجل إلغاء الحفلة، فضلًا عن استخدام عبارات تُصنف على أنها نوع من أنواع التهديد، إذ جاء: "فإن الهيئة تحمل المسؤولين مغبة تداعيات نزول الغيارى على العفة والشرف من كل لبنان لمنع هذا المؤتمر المؤامرة إن لم يقوموا بدورهم".

في المقابل وعبر صفحتها على "فيسبوك"، أكدت "براود ليبانون"، أن هذا النشاط كان يهدف إلى الحد من العنف والتمييز ضد الأشخاص ذوي الميول المختلفة جنسًيا وعاطفيًا وذلك بمشاركة متحدثين من جمعيات مختلفة وشخصيات إعلامية وفنية معروفة، بالإضافة إلى خبراء في الدعم القانوني والنفسي والصحي، فيما كشفت الجمعية أن "جهات دينية متطرفة في لبنان أصدرت سلسلة من الإنذارات الداعية إلى إلغاء الحدث، ما أدى إلى إلغاء الحجز".

وفي بيانها، استغربت "براود ليبانون" هذا التصرف، مؤكدة على ضرورة احترام حقوق الأفراد بغض النظر عن خياراتهم الجنسية والعاطفية، كون هذه المسألة تشكل جزءً لا يتجزأ من حقوق الإنسان ككل، كما أبدت دهشتها من إلغاء نشاطات "تساهم بتعزيز كرامات المواطنات والمواطنين الإنسانية، فيما يتم التغاضي عن مبادرات تغذي الكراهية والانقسامات والعنف في بلد يدّعي الديمقراطية والحرية الانفتاح واحترام حقوق الإنسان".

إضافة إلى ذلك تساءلت ليبانون، عما إذا كانت الغيرة على مصلحة لبنان تستدعي اضطهاد المواطنين وتجاهل أبسط حقوقهم بالعيش بكرامة بعيدًا عن العنف والكراهية، كما ناشدت "المسؤولين في لبنان للنظر في هذا الموضوع وعلى رأسهم رئيس الجمهورية حامي الدستور وشرعة حقوق الإنسان التي وقع عليها لبنان وتتضمن العيش بمساواة".

وبدورنا أمام كل هذه المعطيات والأحداث التي حصلت خلال الأيام الماضية نتساءل: هل ما حصل أخيرًا في لبنان هو بمثابة الفتيلة التي ستشعل المنطقة العربية كلها وتجعلها تتحرك لمناصرة المثليين والدفاع عن حقوقهم، وهل ستتمكن الجمعيات الداعمة لحرية الهوية الجنسية من تنظيم فعاليات ونشاطات أخرى تكرّس مبدأ المساواة وحرية التعبير أم أن كفة رجال الدين ستنتصر وبالتالي تتلاشى أحلام أولئك الأشخاص الذين يبحثون عن رقعة حرية وبصيص أمل في مجتمع تكبّله القيود والضوابط الاجتماعية.