المعونات الفاسدة

سبق لتقارير صحفية واستقصائية أن كشفت جانبا من هذه الجرائم بحق الشعب اليمني، خاصة في زمن الحرب التي قلَّت فيها الرَّقابة وانعدم الضمير، وبات كل شيء مُمكنا حدوثه.

هنا، ينتاب المواطن محمد المليكي (45 عاماً) مع عدد من أفراد أسرته تقيُّؤات وآلام واضطرابات في المعِدة، ما يجعله يتساءل كثيراً عن أسباب المشكلة التي يعانيها مع جيرانه البُسطاء في "حي الضبوعة" وسط مدينة تعز، الذين تلقوا مؤخراً معونات فاسدة -حسب المليكي الذي يقول لموقع "بلقيس" إن إحساسه بتلك الأعراض تزامن مع استهلاكه تلك المساعدات التي تسلّمها خلال الشهرين الأخيرين من إحدى المنظّمات الدولية.  

يتلوّى بآلامه، فيما لا يجد بديلاً للدقيق والقمح الفاسدين، وغيرهما من المُعلّبات الصدِّئة، إذ يفتقر للمال الكافي لشراء مواد غذائية صالحة للاستخدام من السوق، الذي يشهد ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، حيث وصل -مؤخراً- سعر كيس دقيق "السنابل' إلى 28 ألف ريال.

يواجه صعوبة كبيرة في ابتلاع وجباته الرمضانية المتواضعة – حسب قوله - التي تُعِدّها أسرته بصعوبة بالغة من أصناف رديئة، حوتها السلة الغذائية التي حصلت عليها، وتبذل جهودا كبيرة لتطويع مكوّناتها، وصنع أشياء بسيطة  تستعين بها على سد جوعها وفاقتها، رغم لونها المُغاير ومذاقها المُر ونكهتها الغريبة.

وتعتمد الكثير من الأُسر على المساعدات الإغاثية، التي تتلقاها في ظلّ انقطاع الرواتب، وفقدان الوظائف، ومصادر الدّخل، ونُدرة الأعمال، وغلاء المعيشة، وتردّي الأوضاع، وتدهور الوضع الإنساني في بلد يعيش "أسوأ أزمة إنسانية"، ويصل فيه عدد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 21 مليون شخص.

وتعدّ المعونات التالفة من الملّفات الشائكة والمثيرة للجدل في مدينة تعز وغيرها من مُدن البلاد، إذ تطفو بشكل متواتر على السطح، ويتم تداول أخبارها مع كل حادثة إحراق كميات منها، أو رصد أخرى بعد توزيعها على المواطنين، كما حدث في هذه المدينة، التي وَزّع فيها "برنامج الغذاء العالمي" عبر شريكيه (منظمة "كير"، وشركة "السعيد") قمحا فاسدا ومُسْوِساً - حسب مصادر متطابقة.

اشتكى الكثير من المواطنين، في مديرتي "المُظفّر"، و"القاهرة"، من تلقيهم دقيقا وقمحا غير صالحين للاستهلاك الآدمي، وذكروا -في عريضة ذيّلوها بتواقيعهم وتقدموا بها لبرنامج الغذاء- أن ذلك تسبب في حرمانهم من الغذاء، وفاقم من مأساتهم المعيشية.

 عشوائية المنظّمات

وتنفذ المنظّمات الإغاثية أنشطتها في مدينة تعز دون تنسيق مُسبق مع الجهات المعنيّة، ودون تمكين لجنتي "الرّقابة" و"المواصفات" في مكتب الصناعة والتجارة من الاطلاع عليها وفحصها، والتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات، وصلاحيتها لاستخدام الآدمي، ما يبعث  الشك في كثير من المساعدات الغذائية التي يتم توزيعها على الكثير من المُعوزين والمُجبرين على تناولها، رغم تأثيراتها السلبية، ومخاطرها الصحيّة.

يقول الناشط الحقوقي وعضو اللجنة التحضيرية لتكتل "حركة الجياع"، فيصل العسالي، لموقع "بلقيس": "هناك الكثير من المعُونات الغذائية الفاسدة والسامّة، التي يتم توزيعها على سكان مدينة تعز".

ويلفت إلى قيام برنامج "الغذاء العالمي"، خلال الشهرين الماضيين، بتوزيع دُفعتين من الدّقيق المائل للسّواد، والمليء بالشوائب والحشرات والأتربة والحصوات الصغيرة، ما دفع لجنة الرّقابة المجتمعية إلى مطالبة السلطة المحلية والحكومة بالتواصل مع البرنامج، ووضع حد لهذه "المهزلة".

وتلقّى مواطنون مُعلبات غذائية، ظهر عليها "النّمش" و"الصدأ" من منظمات وَزّعت -أيضاً- أدوية قريبة الانتهاء على صيدليات لبيعها، بالتنسيق مع أصحابها، وبعض الأطباء الذين قاموا بإقرارها للمرضى، وتوجيههم إلى شرائها من صيدليات مُعيّنة، الأمر الذي لاحظه ناشطون، فحذروا من سُميّتها ومخاطرها، واحتوائها على مواد مُسرطنة، ستتسبب بالسرطان والأمراض المتنوعة - وفقاً للعسالي.

ويتّهم مواطنون وناشطون حقوقيون -في هذه المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد- المنظّمات الإنسانية الدولية بممارسة التمييز والفساد، وتوزيع مساعدات فاسدة مع سبق الإصرار والترصّد.

ويتهمون -أيضا- شركاءها المحليين بممارسة الغش واستبدال المعونات الغذائية، التي كانوا يوزّعونها في السابق، بأخرى فاسدة وملوّثة.

ويذكر المواطن عبدالله الشرعبي لموقع  "بلقيس": "كُنا في السابق نتسلّم أصنافا جيّدة من المساعدات، وذلك خلافاً للأشهر الأخيرة، التي تسلّمنا فيها معونات ردِيئة، وقُمنا بإبلاغ برنامج الغذاء العالمي، لكننا لم نلقَ أي تجاوب".

ويضيف: "في هذا الشهر، أبلغَنا عُقّال الحارات

أننا سنتسلم سلالا غذائية سليمة، بينها دقيق 'السنابل' وغيره، لكننا فوجئنا -في المخازن- بوجود قمح ودقيق وزيوت رديئة، ما يدلّ على تجاهل الجهات المقدّمة للمساعدات، واستخفافها بالمحتاجين".

قلق المواطنين

مهتمون بالشأن الإنساني أكدوا أن كميات القمح والدّقيق، التي تسلمها المواطنون خلال أبريل الجاري، مُخصصة للحيوانات، وتحوي قشورا وبذورا شبه مطحونة، تتطلب قيام الأُسر المحتاجة بغربلتها لإعداد أقراص خُبز، يصعب عليها ابتلاعها.

وهذا الأمر يفاقم من مشاعر القلق لدى مختلف الأوساط بما فيها الرسمية، التي استهجنت العشوائية الحاصلة في عمل المنظّمات الإغاثية، التي تقوم بتنفيذ أنشطتها بعيداً عن الرّقابة، الأمر الذي استاء منه مكتب الصناعة والتجارة في محافظة تعز، حيث نوّه -الشهر الماضي- في مذكرة وجهها لقيادة السلطة المحلية بقيام برنامج "الغذاء العالمي" بتوزيع معونات فاسدة عبر شريك البرنامج (منظمة "كير") والمتعهد له (شركة "السعيد" للتجارة).

وأطلع مدير مكتب الصناعة  أحمد عبدالكريم المجاهد، في مذكرة -محافظ المحافظة، نبيل شمسان، على قيام البرنامج الأممي بتوزيع مواد غذائية ثبَت للجنة الرّقابة في المكتب أنها غير مطابقة للمواصفات، وغير صالحة للاستخدام الآدمي.

وأشار إلى قيام البرنامج بتوزيع قمح مُخالف لمواصفات البرنامج إلى جانب قمح "الفائز" و"الأصيل" الرّديء، والمليء بالشوائب، واتهم البرنامج بالغش، وشراء كميات كبيرة من القمح الرديء، وتوزيع كميات مُعادة من الشهر السابق، وطحن كميات كبيرة خارج المصنع، ولا تحمل خيط تختيم الوكالة.

وطالب محافظ المحافظة بمخاطبة الجهات ذات العلاقة، وحثَّها على الالتزام بالمواصفات الجيّدة، وعدم توزيع أي كميات للمستفيدين إلا بعد المُعاينة والفحص من قِبل لجنة الرّقابة في المكتب.

قد يهمك أيضا

وزارة الاوقاف تدعو الشعب اليمني للاتحاد خلف قيادة الشرعية لمواجهة المد الايراني

 

عبد ربه منصور هادي يطلب مساندة الشعب اليمني لمواجهة الانقلاب الحوثي