مؤتمر التنوع البيولوجي

بقدر ما يظهر «مؤتمر الأطراف الـ14 لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي»، والمستمر بمدينة شرم الشيخ حتى 29 نوفمبر الجاري التوجهات المصرية النبيلة حيال قضايا التنوع البيولوجي والبيئة، فإنه يجسد رؤية مصرية تنتصر «لثقافة الحق والخير والجمال» وتستجيب لتحديات باتت تشكل هما عالميا وتثير قلق المثقفين حول العالم.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أكد في كلمته الافتتاحية لهذا المؤتمر الدولي يوم السبت الماضي أن مصر تراعي البيئة بجميع أبعادها منوها بأن الدستور المصري وضع أسسا قوية للحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد والاستخدام الرشيد لهذه الموارد.

وشدد الرئيس السيسي على أن قضية التنوع البيولوجي من أهم قضايا الإنسانية في العصر الحالي التي توليها مصر أهمية خاصة إدراكا بقيمة التنوع البيولوجي كعنصر أساسي في تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على حق الأجيال القادمة في التمتع بالثروات الطبيعية.

وهذا المؤتمر العالمي الذي بدأ في 17 نوفمبر الجاري في شرم الشيخ «مدينة السلام» والمنعقد تحت شعار «الاستثمار في التنوع البيولوجي من أجل الإنسان والكوكب»، يأتي في وقت يواجه فيه التنوع البيولوجي تحديات جمة وتتصاعد فيه نداءات وكتابات المثقفين حول العالم للحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية البيئة ومواجهة إشكاليات مثل ظاهرة التغير المناخي.

وها هي دورية «نيويورك ريفيو» الأمريكية المعنية بالقضايا الثقافية تنشر تقريرا بعنوان «توقعات متجهمة للغاية» استند فيه الكاتب والخبير البيئي الأمريكي بيل ماكيبن على معطيات لجنة دولية حكومية تابعة للأمم المتحدة حول قضايا التغير المناخي أثارت المزيد من القلق حول ظاهرة مثل الاحتباس الحراري حتى أن ماكيبن يقول إن هذه «الوثيقة-الدراسة» التي جاءت في 500 صفحة صدرت مؤخرا واعدها 91 عالما من 40 دولة «لا تثير البكاء على المستقبل فحسب وانما أيضا على الحاضر».

ولئن سعى «مؤتمر باريس للتغيرات المناخية» الذي عقد في أواخر عام 2015 لبحث كيفية الحيلولة دون ارتفاع درجة حرارة الأرض أربع درجات مئوية كما هو متوقع بحلول عام 2030 وخفضها الى درجتين فحسب عبر تقليل الانبعاثات الكربونية فان بيل ماكيبن يرى ان هذا الهدف متواضع في ضوء تحديات التغير المناخي والتي قد تفضي حتى في حالة الوفاء بتعهدات مؤتمر باريس لزيادة قدرها 3.5 درجة في حرارة الكوكب الأرضي.

ورغم رؤيته المتشائمة فانه يشيد بتوجه دول مثل مصر لتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كمصادر للطاقة الصديقة للبيئة وزيادة استخدام بلد كالصين للحافلات التي تعمل بالكهرباء وكلها جهود حميدة تصب فيما يسميه بـ«ترويض منظومة الطاقة» فيما يعتبر أن الغرب الصناعي بات يتحمل المسؤولية عن عواقب ما يتسبب فيه من تغير مناخي يهدد الحضارة الإنسانية.

وفي سياق رصده للمخاطر التي تعدد التنوع البيولوجي جراء التغيرات المناخية والعدوان على البيئة يلفت بيل ماكيبن إلى أن العالم فقد نسبة تتراوح مابين 70 و90% من شعابه المرجانية، مؤكدا على حقيقة أن الدول النامية في عالم الجنوب تتكبد النصيب الأكبر من الخسائر البيئية مع أنها لم تتسبب في هذه الخسائر.

وإذ يخلص ماكيبن إلى أن المخاطر البيئية مازالت عالية وتتطلب مواجهتها تضافر الجهود اليقظة والمخلصة حول العالم دون أن يتخلى هذا الكاتب والخبير البيئي عن الأمل في حل ناجع لقضايا البيئة وإشكاليات التغير المناخي والحفاظ على التنوع البيولوجي، فإن الكاتب والروائي الأمريكي جوناثان فرانزن بدوره لم يتخل عن الأمل رغم العنوان الصارخ لكتابه الجديد والذي قد يثير قشعريرة في النفوس: «نهاية النهاية للأرض».

وهذا الكتاب الجديد الذي يتناول إشكاليات التغير المناخي يظهر حقيقة أن البيئة تتأثر سلبا أو إيجابا بقيمنا الثقافية فيما يتمسك صاحب رواية «التصحيحات» بأهداب الأمل في ثورة للضمير الإنساني تنقذ العالم من مخاطر بيئية جسيمة وتحول دون «نهاية النهاية للأرض» داعيا لحلول إبداعية ومبتكرة لاشكاليات ومعضلات العدوان على البيئة.

وإذ تسلمت مصر من المكسيك في مستهل المؤتمر الحالي للتنوع البيولوجي بشرم الشيخ رئاسة هذا المؤتمر الدولي لمدة عامين، فقد أوضحت وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد أن مصر قامت بالعديد من المشروعات لحماية البيئة، لافتة إلى أن التنوع البيولوجي هو أساس الحياة على كوكب الأرض، فيما شددت على أهمية وعي المواطنين بقضايا التنوع البيولوجي وأبعادها وتأثيراتها.

والحق أن مصر تتبنى هموم الأشقاء الأفارقة بشأن التغيرات المناخية وانعكاساتها السلبية على جهود التنمية وتدعو لإقامة شراكات قوية وفاعلة بين مؤسسات التمويل المعنية ودول القارة الإفريقية بل وكل الدول النامية للتعامل مع قضايا المناخ وتشجيع مشروعات البنية الأساسية التي تدعم «الاقتصاد الأخضر» والصديق للبيئة والإدارة البيئية الرشيدة.

ومصر على مستوى الخطاب والممارسات معا تستجيب أيضا لهموم المثقفين وشواغلهم على مستوى العالم بشأن قضايا التنوع البيولوجي والبيئة وها هو أحد كبار المثقفين في الولايات المتحدة والعالم وهو بول كروجمان الاقتصادي الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 يقول إن التغير المناخي هو الخطر الأعظم على العالم.

ومن هنا يبدي هذا المثقف النوبلي الكبير تأييدا لتحالف عالمي لمواجهة آثار التغير المناخي معتبرا أن ظاهرة كالاحتباس الحراري تهدد الحضارة الغربية والحضارات الإنسانية كلها، فيما يؤكد على خطأ الرؤية التي تسعى جاهدة للتقليل من خطورة التغير المناخي.

ونهضت مصر بمسؤولية دولية كبيرة منذ بداية عام 2015 في مواجهة آثار تغير المناخ والتعامل معها على الصعيد الدولي بعد أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة اللجنة الرئاسية الإفريقية للتغيرات المناخية في مطلع ذاك العام الذي وصف بـ«العام الحاسم في المفاوضات الدولية النهائية لإقرار اتفاقية جديدة لقضية تغير المناخ».

ولا تدخر مصر جهدا للمساهمة في الجهود الدولية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي وكانت قد صدقت على اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية، فضلا عن «بروتوكول كيوتو المناخي» مشددة في خطابها الرسمي على ضرورة حماية كوكب الأرض.

وتلك الرؤية المصرية لابد وأنها تحظى بإعجاب وتقدير كل المثقفين في العالم في وقت يتصاعد فيه القلق وتتزايد الكتابات حول اشكاليات الاحتباس الحراري ومحنة الإنسان المعاصر في علاقته بالكوكب الأرضي وظواهر «كظاهرة النينو»، فيما تعد سببا لارتفاع درجات الحرارة في العالم ككل ويمكن ان تتسبب في «مزيد من التداعيات المآساوية للبشر في كل مكان على ظهر هذا الكوكب الأرضي».

وتلك القضايا المتعلقة بحماية البيئة والتنوع البيولوجي القضية باتت موضع اهتمام واضح من جانب مبدعين في كل مكان بالكوكب الأرضي مثل الكاتب والروائي الاسترالي ريتشارد فلانجن الفائز بجائزة مان بوكر، والذي يندد بالعدوان على البيئة، بينما انطلق صوت ثقافي بارز من كندا ليحذر من خطورة هذا العدوان وهي الكاتبة ناعومي كلاين صاحبة كتاب: «هذا يغير كل شييء».

والكاتبة الكندية ناعومي كلاين التي ولدت في مونتريال يوم 5 مايو عام 1970 وصاحبة كتاب «عقيدة الصدمة» تحذر بقوة من مخاطر التغير المناخي والتلوث البيئي وتتكيء على أحدث المعطيات في مجموعة العلوم المعنية بهذه القضايا لتوضح أن الأرض تتغير بالفعل وأن تغييرا مناخيا واسع النطاق يجري على قدم وساق، فيما لو استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه من انفلات بيئي فإن كوكب الأرض سيتغير بصورة جوهرية ولن تكون الأرض بعد ذلك هي ما عرفها الإنسان من قبل.

من هنا فإن تحرك مصر في قضايا التنوع البيولوجي وحماية البيئة المناخ يأتي دفاعا عن الإنسانية والتزاما بثقافة الحق والخير والجمال وانتصارا للحياة. فمصر برسالتها الحضارية الإنسانية لا يمكن أن تغض الطرف عن قضايا تحولت لأحزان للإنسانية والإنسان المعاصر.