"بياض" لرغدة أبو بكر كردي

للإبداع الروائي النسوي في  منطقة الجزيرة العربية أدواته الخاصة، سواء من حيث البناء أم الرؤيا أم عوالم السرد، وقد اختارت الكاتبة رغدة أبو بكر كردي في روايتها «بياض» الكتابة بلغة المشاعر في خصوصيتها الأنثوية، فاتخذت منها أداة لكشف العالم المخبوء داخل كل امرأة في علاقتها بالرجل، هذا العالم الذي يأتي على غير العادة في الكتابات النسويّة، مكللًا بالبياض، فما أجمله من عالم يتشارك فيه طرفي العلاقة الحياة بحلوها ومرّها، تلك هي حكاية "تغريد" الشاعرة، و"ربيع" المهندس اللذان جمعهما القدر ليعيشا معًا كل أصنافِ البياض يقطفان أجمل وأمتع الأوقات معها، وينثراه حبًا على كل من حولهما؛ بهذا الاشتغال البديع تنبثق الرؤية السردية لدى رغدة أبو بكر كردي لتسري في إيماءات عديدة حول حياة بطلي الرواية بما فيها من حبٍّ وزواج وولادة.

وتدور أحداث رواية "بياض" للكاتبة رغدة أبو بكر كردي بين المملكة العربية السعودية وكندا؛ في المملكة تعرّف ربيع "المهندس" على تغريد "الشاعرة" من خلال زواج تقليدي استمر بنوع من التفاهم والاتفاق على دور كل واحد من الطرفان حتى رزقا بأول مولود "دانة" التي زينت حياة والديها بكل أنواع البياض وراحة البال، والحب الذي بدأ يشق طريقه في قلب الزوجان.. فتسير الحياة عادية وهانئة حتى يتم تكليف ربيع بعمل خارج حدود المملكة، فتسافر معه تغريد تاركة أهلها وأحبابها ووظيفتها، سافرت مع زوجها وابنتها وجنينٍ نفخت روحه وتزايد الشوق إليه، ينتظر أن يتنفس هناك.. في كندا .. ولكن كان للقدر كلمته مع مولودتها الثانية "ملاك" الاسم الذي أرادت تغريد أن تعيش به طفلتها على "الأرض"، ولكن الله اختار لها العيش في "السماء". لقد أصبح البياض هذه المرّة كفنًا غلّف الصورة فبهتت، لا بل اختفت منها كل الألوان .. "لكن ربّما ندرك - تقول الكاتبة - أن مصدر الألوان هي قلوبنا ولن تفاجئنا هذه الحقيقة حتى يصبح المشهد بالأبيض والأسود".

ولهذه الحكاية بقية ربما نقرأها بياضًا، وربما نقرأها سوادًا.. إنها الحكاية التي تمزِّق القلب وتدفئه وترممه في الوقت ذاته، وتعد «بياض» نص سردي جميل وآسر، هادئ وعميق، يساعد القارئ على إيجاد لحظات من الحكمة الخالصة.. يتميز بلغته الشعرية وبلاغته الأنثوية سيشكل بلا شك نقلة نوعية في شكل ومضمون ولغة الرواية النسائية السعودية.