آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

يوميات روسيا 14

اليمن اليوم-

يوميات روسيا 14

بقلم : يونس الخراشي

قرر الزملاء أن يصلوا الجمعة في المسجد الجامع. سألت أحد المشتغلين بالمطعم عن الطريق إليه، فطار من فوره إلى مكتب الاستقبال. قال للفتيات هناك:"رجاء، اطبعوا خريطة الطريق نحو مسجد موسكو لصديقنا". وراح يبتسم كعادته كلما استقبلنا باشا فرحا وهو يردد:"الحمدلله". في مرة أطلعني على صوره الخاصة مع العائلة. كما أطلعني على صوره وهو في المسجد. فقد عرف أننا مسلمين، وسر لذلك ايما سرور، وقدم لنا خدمات لا يوفيها الشكر.

توجهنا نتبع خطى هشام رمرام، الدليل في الميترو. وإذ كنا في القطار يردد كل منا عبارات الإعجاب بتلك المحطات المتاحف، وبدقة المواعيد، وسرعة السير، وانضباط المستعملين، اشار علينا راكب مسلم بأن نتبعه إن كنا نريد المسجد. دعانا ذلك إلى الاطمئنان، سيما أن صلاة الجمعة كانت تقترب. وفي لحظة من اللحظات، وبإشارة من رأسه الذي علته طاقية بيضاء، دعانا إلى النزول من القطار. استجبنا جميعا.

كان الرجل طويل القامة، باللحية الصغيرة، والقميص الأبيض البسيط، يسير مهرولا كما لو أنه في بطولة للمشي. وكنا نتبعه غير عابئين، بما أننا تدربنا كثيرا طيلة الأيام الماضية. قال سفيان إندجار إن الطريق الذي يجرنا إليه الرجل لا يمضي بنا نحو المسجد الكبير. وقلت له:"إنه يذهب بنا إلى حيث كتب لنا أن نصلي الجمعة. ومدبرها حكيم". ثم إذا بنا نتخطى سكة للترامواي على أسفلت منحوت من صخر، ونمضي بين أزقة جميلة إلى اليمين، حيث ظهر أمامنا من يهرولون مثلنا نحو المسجد.

تأكد لي بعد حين بأن سفيان كان على حق. لم أتردد في المضي إلى حيث كان يوجهنا الرجل. في لحظة أدار رأسه وسألني بالإشارة ما إن كنت ومن معي سنحتاج إلى مكان للوضوء. طمأنته بابتسامة إلى أننا جميعا على وضوء. أخفض رأسه دليل نهاية مهمته. شكرت، ثم اختفى بين المصلين. أما نحن فكنا نتهيأ لعبور البوابة الإلكترونية حيث يقف عدد من رجال أمن شداد. وإلى اليمين حيث المسجد الأقدم في كل روسيا. لم يكن في البدايات سوى "دار للعبادة"، بدون أي مظهر خارجي يدل على أنه لصلاة المسلمين. وها هو اليوم مسجد وإرث تاريخي أيضا.

كان داخل المسجد مثل خارجه مملوءا. وجدنا لنا مواقع فارغة. جلسنا في انتظار الإمام، الذي ظهر بعد حين. وبينما كنا نظن أن خطبته، بالروسية، عن عيد الفطر، والست من شوال، ستفضي بنا إلى الصلاة، إذا به يصعد إلى المنبر، ويبدأ خطبة أطول، حتى إن أحدهم راه يخاطب غيره ب"الشات"، وآخر كان يسقط رأسه بفعل الغفوة، في قظه صديقه في كل مرة. قال الخطيب في البداية، بعربية جميلة، إن أمر الست من شوال عظيم، وفسر للناس بالروسية. أطال عليهم. 

بعد الخطبة فوجئنا بالناس يقومون قومة رجل واحد، ثم يصلي كل منهم ركعتين. قال أحدهم، وهو يراها نتحير في الأمر:"لا عليكم، إنهم يؤدون تحية المسجد". فضلنا ألا نخرج من الجماعة. أما وقد فرغ الإمام من صلاة الجمعة، فقد قام الناس قومة ثانية يصلون الرواتب ركعتين فركعتين. وكنا نستعد للانسحاب، مشفقين عليهم مما هم فيه. 

في الخارج هارنا منظر عجيب. فقد وجدنا القوم يحولون الرصيف، مثلما يجري عندنا، إلى سوق لبيع عدد من المنتوجات؛ بين سجادات وطاقيات ومأكولات وعطور وخبز، ونقانق، ولبن إيراني المنشأ، مخلوط بالنعناع. ليس هذا فحسب، بل وجدناهم وقد حولوا الخارج إلى مكان للتسول. فترى عددا من النسوة يمددن أيديهن للمصلين، ويستعملن الأسلوب نفسه في السؤال بإلحاح.

قال لي رزقو:"كنا نود أن نذهب إلى المسجد الجامع". قلت له:"سنصلي العصر هناك بإذن الله". وبالفعل، فبينما اتجه زملاء لنا إلى الساحة الحمراء ليشتغلوا على الجديد هناك، توجهت وزميلي رزقو وبنثابت إلى مسجد موسكو. لم يحتج منا الأمر إلى المثير من الوقت، وإذا بنا أمام مشهد عظيم. بناء فخم وجميل، عبارة عن تحفة معمارية تسر الناظرين. 

وقفت وزميلي بنثابت في الرصيف المقابل للمسجد نملي البصر بالمشهد، فيما كان رزقو يصور من زوايا مختلفة. يقوم البناء على الرخام الأبيض، لكأنما هو قطعة واحدة قدت من جبل ووضعت هناك. مع أنه عبارة عن طوابق. والقباب تتوسط المآذن المرتفعة بشموخ، عاليه هلال ذهبي. والسقف الأزرق السماوي يزيده جلالا وبهاء. أما الأقواس التي تفضي فتحاتها إلى المسجد من الداخل، وتتيح دخول الضوء، فتبهر بشكلها الجذاب. 

تجاوزنا البوابة الإلكترونية، فإذا بنا نكتشف خيمة بيضاء يبيع صاحبها مأكولات حلال، عبارة عن نقانق "مرگاز"، وسندويتشات، وقنينات ماء. قررت أن أشتري رغم التوجس. وطمأنني بعض الشباب. بل دعوني إلى مائدتهم، وضيفوني بسخاء أخجلتي. ثم التحقت برزقو وبنثابت إلى الساحة الخلفية للمسجد، والتي هي المدخل إليه، وفيها محلات لبيع منتوجات متعددة، يقوم عليها روسي يجيد الفرنسية.

عرفنا أن مكان الوضوء يوجد في الطابق تحت الأرضي. ذهبنا إليه، فوجدناه يفيض نقاء، بماء دافئ، وعمال لا ينفكون يهيئونه للزائرين. ثم دلفنا إلى الطابق الأرضي، فوجدناه عبارة عن فسحة للراحة والصلاة وقراءة القرآن، تتضمن سجادا أزرق سماوي جميل، ورفوف لوضع النعال والإحذية، وكراسي وتيرة لمن يرغبون في الجلوس، أو انتعال أحذيتهم. ثم اتجهنا إلى الطابق الأول عبر الأدراج، عوض المصعد. وكأن الرخام الأبيض يذهب التعب من أخمص القدمين. ويهيئك للمشهد الأجمل.

وها نحن في المسجد. يا الله على الجمال والجلال؛ فالقاعة التي تتوسط ثلاث طوابق، تنتهي إلى قبة رائعة تقوم على سورة الشمس، حيث الواو هي المحور، بزخرفة متناهية في البذخ، تذهب بك كل مرة نحو فتلة، ومنها إلى الثريا الجميلة المدلاة نحو القاعة، حيث فسحة الصلاة بمنبر عظيم من الرخام.

النوافذ الجميلة الزخارف تسمح للضوء بالتسرب من كل ناحية. وفي الداخل، وسواء من ذلك الطابق أو من الطابق الثاني، حيث متحف إسلامي يتضمن عددا من المخطوطات ومجسما للمسجد الجامع، تطالعك الزخارف الذهبية حول المحراب، وتغريك بلذة النظر. يتحلق الناس في قاعة الصلاة، هنا وهناك، كي يذكروا الله، في مصاحف باللغة العربية. ويتحرك الإمام بتؤدة، لعله يشرح لمن يسأله طبيعة البناء الذي اختير للمسجد، ويمتح من العمارة الروسية بالخصوص، مشتغلا على الحرف العربي، وآيات الكتاب المبين.

لك نأبه للوقت وهو يتسرب من بين أيدينا. ولم ننتبه للجوع الذي نال منا. ولم يفكر أي منا أن يقول للآخر هيا بنا نمضي إلى حال سبيلنا. كنا نشعر بالراحة، بل قل بالطمأنينة. أليس معنى الييت من البيات، وهو السكن، وفيه السكينة؟ حين كنا نغادر، توقفنا مرة أخرى كي نلقي نظرة السلام على المسجد. رأينا خلفه ذلك الملعب الذي حول إلى أسواق ممتازة، فضلا عن جزء من مركز المطينة يظهر من هناك. وسكى الترامواي التي تتدلى نحو الأسفل. وعدنا أدراجنا بعد يوم لا يتسى

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوميات روسيا 14 يوميات روسيا 14



GMT 05:23 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

جيل لن يخذلنا

GMT 09:34 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطاء العيون

GMT 13:22 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إعلام بلا أخلاق !!

GMT 13:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 07:46 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفضل الأماكن لقضاء شهر العسل في سيرلانكا

GMT 04:34 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

ابتعدي عن الألوان الكلاسيكية في حجرة نومك

GMT 10:06 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فوائد زيت الزيتون للعناية بالبشرة

GMT 22:07 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبد العزيز تشيد بالثقة المتبادلة مع جمهورها

GMT 01:20 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

ستورمي دانيال توضح ممارستها للجنس مع دونالد ترامب

GMT 06:35 2016 الأحد ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر جديد برائحة السوسن وخشب الصندل من Jo Malone
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen