آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

انتصر وليد جنبلاط... ماذا الآن؟

اليمن اليوم-

انتصر وليد جنبلاط ماذا الآن

بقلم: نديم قطيش

لا تشبه المسميات أسماءها في لبنان. فالديمقراطية ليست واحدة وإن كانت على كل لسان، ومثلها مفردات الدستور والقانون والتعايش والدولة، والكثير غيرها من المفردات التي تملأ فراغ الخطاب السياسي اللبناني بثراء تعبيري عجيب. ستجد تاجراً للمخدرات يدافع عن حكم القانون وميليشيا استئثارية تتنطح لتمثيل منطق الدولة وأسس العيش المشترك، والكل يحاضر بالعفة حتى صياح الديك!
حين صدر بيان للسفارة الأميركية في بيروت يحذر من تسييس القضاء في التحقيقات الجارية في حادثة قبرشمون، والتي عطل الخلاف حولها الحكومة اللبنانية (أو تجمع حكومات لبنان)، أكثر من أربعين يوماً، استفظع «حزب الله» الموقف الأميركي وعده «تدخلاً سافراً وفظاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويشكّل إساءة بالغة للدولة ومؤسساتها الدستورية والقضائية» و«هو استكمال للتدخل الأميركي المتواصل في الشؤون السياسية في لبنان والمنطقة»، واستنتج أن البيان الأميركي «إدانة صريحة لكل أدعياء الحرية والسيادة والاستقلال الذين صمتت أفواههم وانكسرت أقلامهم».
هالله هالله يا دنيا، كما تقول سميرة توفيق!!
تخيلوا أن حزباً تقاتل ميليشياه على جبهات معلنة وغير معلنة في طول أرض الله وعرضها، لحساب دولة أجنبية، بل ويصرح قائده المظفر أنه يقاتل وسيقاتل بهذه الصفة تحديداً شاء من شاء وأبى من أبى، يدبج نوابه أو مكتبه السياسي البيان المشار إليه أعلاه، الذي يعج بمفردات الدولة والمؤسسات والقضاء والتدخل والسيادة والاستقلال.
حادثة قبرشمون المذكورة، وهي اشتباك أهلي درزي درزي بين أنصار وليد جنبلاط وموكب وزير درزي محسوب على غريمه وحليف رئيس الجمهورية و«حزب الله» الأمير طلال أرسلان، شكلت لحظة دموية في مسار احتقان طويل منذ أن بدأت تنحرف عن مسارها التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة في خريف عام 2016. وما كان هذا الانحراف مستقلاً عن قوة دفع «حزب الله» خلفه بغية تحويل التسوية إلى حلقة جديدة من حلقات قضم الجمهورية اللبنانية واستتباع القوى الرئيسية فيها وتعطيل فعلها السياسي. ولج «حزب الله» من التسوية إلى إقرار قانون للانتخابات هو الأسوأ في تاريخ الجمهورية اللبنانية، لأنه، كما بدأنا المقال، مثال صارخ على انفصال المسميات عن أسمائها. فالنسبية التي أرادها القانون فاتحة لصون التعدد داخل بعض الطوائف اللبنانية وإحيائه وتمكينه داخل أخرى، انتهت في الواقع إلى فرض التعدد على الجميع عدا بيئة «حزب الله» التي بقيت مقفلة بالسلاح ووهجه وهيبته، وأدت إلى إقفال الطائفة الشيعية بالكامل، وتعزيز ذلك بوضع يدها على شريحة سنية وأخرى درزية عدا عن شريحة مسيحية وازنة من خلال التحالف العميق مع رئيس الجمهورية !
وكان من تبعات القانون الانتخابي ثم الحكومة المشكلة وفق النتائج التي أفضى إليها، أن بدأ وليد جنبلاط يشعر بفقدانه الدور السياسي الذي لعبه داخل النظام السياسي والمعروف «ببيضة القبان»، أي صاحب الصوت المرجح بين التوازنات الدقيقة لقوى الصراع اللبناني الدائم. من مثالات ذلك أن انحيازه الظرفي والقصير لصالح انقلاب «حزب الله» عام 2010، سمح بتسمية بديل لسعد الحريري، هو الرئيس نجيب ميقاتي، بعد أن أقيلت حكومة الحريري وهو داخل إلى اجتماعه مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض.
منذ اللحظة الأولى تعامل «حزب الله» مع حادثة قبرشمون بوصفها مناسبة لاستكمال استنزاف جنبلاط ومحاصرته، وخرج حسن نصر الله في خطابين شهيرين تحدث فيهما علناً وبحماس وانحياز مطلق لمنطق حليفه طلال أرسلان، بل هو حقق واستنتج وحكم وأطلع اللبنانيين على الحكم الذي يرغب في رؤية نزوله بجنبلاط ومحازبيه ووزرائه... أما رئيس الجمهورية، فقد رأى في الحادثة محاولة لاغتيال صهره وزير الخارجية جبران باسيل، وليس وزير طلال أرسلان كون الوزير الأخير كان في طريقه لملاقاة باسيل ومرافقته إلى المنطقة التي جرى فيها الحادث المذكور... في المقابل قرر جنبلاط أن معركته هذه هي معركة وجودية بالكامل وأنه سيخوضها على هذا الأساس... وفعل!
بعد أربعين يوماً من تعطيل مجلس الوزراء ورفع السقوف بوجه جنبلاط من قبل كل من «حزب الله» والرئيس عون والوزير باسيل والأمير أرسلان جرت مصالحة «عشائرية» في القصر الجمهوري برعاية الرؤساء الثلاثة وحضور «الرئيس الرابع» وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان، وفي أثر صدور بيان السفارة الأميركية والتلويح ببيان مماثل عن الاتحاد الأوروبي.
لم يخرج جنبلاط من معركته منتصراً ومعطلاً استكمال الاستحواذ على الجمهورية، فقط، بل خرج عملياً بأول انتصار سياسي على كامل تركيبة العهد رئيساً ومرشداً وبعض الحواشي المخترعة والمنفوخة، بالتحالف السياسي مع الدكتور سمير جعجع، والتحالف العملي تحت الطاولة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو أنه استعاد بعضاً من قوة دوره وموقعه الذي استنزف كثيراً منذ خريف 2016.
وهو انتصار، ستكون له أثمان بالتأكيد، لا سيما أن «حزب الله» يعرف تماماً أن مثل هذه الانتصارات، تهيئ في العادة لولادة مناخ سياسي، ما لم يكن جبهة سياسية، تعلن انتهاء مرحلة التفوق المريح لـ«حزب الله». لطالما امتلكت الزعامة الدرزية مفتاح إنهاء العهود الرئاسية منذ بشارة الخوري حتى إميل لحود مروراً بكميل شمعون وآخرين. اقترب جنبلاط في معركته الأخيرة من هذا الدور وانتصاره السياسي يصب مياهاً كثيرة في طاحونة إنهاء السلوك السياسي المولود منذ خريف 2016.
درس وليد جنبلاط بسيط. التسوية ممكنة من دون تبديد الكرامة السياسية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصر وليد جنبلاط ماذا الآن انتصر وليد جنبلاط ماذا الآن



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen