آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

الخوف من التغيير والانقلاب التركي

اليمن اليوم-

الخوف من التغيير والانقلاب التركي

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

عندما اكتظت شوارع القاهرة في يوليو (تموز) من عام 2013، بحشود ضخمة خرجت تحتج على الأوضاع الخدمية والأمنية السيئة بعد مرور عام واحد على تولي محمد مرسي الرئاسة، كان هناك خوف فاق المرة الأولى عندما خرجت الناس إلى ميدان التحرير قبلها بعامين. فارق كبير بين التجربتين في نفس العاصمة. وزاد الخوف ما شهدته الأيام التالية من اشتباكات في مناطق الاعتصام وخارجها، حتى لاح في الأفق، لأول مرة، أن ثورة يناير المصرية يمكن أن تسير في نفس المنحدر الذي رأيناه في ليبيا وسوريا، ولاحقًا اليمن. ولم تكن الأشهر التالية على إقصاء مرسي من الحكم سهلة، بما حفلت به من اشتباكات وتهديدات لاستقرار البلاد. ومهما اختلف الكثيرون على توصيف الحالة المصرية بين قائل إن شرعية مرسي جاءت بثورة الشارع وسقطت بشرعية الشارع الغاضب عليه، وبين من يعتبرها شرعية مستمرة مستمدة من أصوات الشعب، فإن استقرار مصر وعدم وقوعها في مواجهات وأزمات أمنية تقسم البلاد يعتبر مبررًا مقبولاً للوضع التالي، وإن بقاء مرسي مع الفوضى ليس خيارًا مقبولاً لبلد كبير كمصر.في تركيا الوضع مختلف، حيث إن تركيا دولة مستقرة، نظامها تطور ديمقراطيًا خلال ثلاثة عقود، والحكومة الحالية منتخبة بأغلبية كبيرة، ولا توجد في البلاد تيارات شعبية ضخمة معادية تطالب بتغيير النظام، بل مستعدة للانتخابات التالية. في هذا الوضع المستقر سياسيا فجأة وقعت محاولة الانقلاب، قبل أسبوع مضى، تهدف إلى تعطيل النظام المدني والاستيلاء على الحكم. شعرنا بأن العالم كأنه توقف فجأة في تلك الثلاث ساعات الخطيرة.وليس معقولاً، أو منطقيًا، ما طرحه البعض من تحليلات عن تصفية الحسابات الإقليمية من خلال تأييد الانقلاب، أو الترحيب به. وأنا لا أنفي أن هناك من هو غاضب من حكومة الطيب رجب إردوغان وعلى خلاف معها، فهذا جزء من واقع المنطقة المليئة بالخلافات والتحالفات. إنما، تقريبًا كل الحكومات الإقليمية، والمشتغلين في العمل السياسي، لا بد أنهم كانوا قلقين في تلك الليلة الحمراء الخطيرة، يحبسون أنفاسهم. يعرفون أن الانقلاب ستصاحبه انشقاقات، ومواجهات، وفوضى محتملة. فهل منطقة الشرق الأوسط قادرة على أن تحتمل أن تضرب الفوضى دولة خامسة؟ الحروب المستمرة في ليبيا، واليمن، والعراق، وسوريا أكبر من قدرة أي قوة في العالم على السيطرة عليها، أو محاصرتها، حتى لا تخرج وتؤثر على محيط المنطقة. لم يعد ينشغل العالم بالمأساة السورية المستمرة يوميًا، لأنه اعتاد على كوارثها حتى مل من مشاهدتها كل ليلة. لكن الوضع في سوريا يدمي القلب، وكان آخرها قبل يومين عندما قصف النظام أربعة مستشفيات ومركزًا للتبرع بالدم في حلب. لم نعرف عدد الضحايا، والقليل من التفاصيل وجدت مكانًا على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد. كان العالم منشغلاً بجريمة ألماني من أصل إيراني فتح النار على المدنيين في مركز للتسوق في ميونيخ، ثم بعد أقل من يومين وقعت حادثة، حيث قتل مهاجر سوري امرأة بسكين كبيرة.من يتخيل كيف سيكون عليه حال المنطقة لو أصيبت دولة أخرى كبيرة مثل تركيا بنفس الحالة، ودبت فيها الفوضى والاشتباكات بسبب الانقلاب؟ إنه أمر مفزع للغاية للعالم وليس للأتراك والمنطقة فقط. حتى لو نجح الانقلاب فإن تركيا محكوم عليها حينها بالقلاقل نتيجة التغيير وانشقاق مجتمعها. لا أحد في هذه المنطقة يريد أن يرى تركيا، أو غيرها، تنضم إلى مجموعة الدول المنكوبة. ولا أحد في القارة الأوروبية يريد لتركيا أن تصبح بوابة للإرهابيين والمزيد من ملايين المهاجرين والفوضى التي تهدد منطقتهم. ومهما كانت الخلافات بين الدول فإن السياسيين يدركون العواقب من المغامرات غير المحسوبة، ويعرفون جيدًا أن محاولة تغيير أي وضع في المنطقة، ستصيب الجميع بشظاياها، وتهددهم جميعًا. وهذا ينطبق على الجميع، وأتصور أنه حتى إيران، وهي الدولة التي تشعل المنطقة بالحرائق، تخاف من تبعات التغيير في تركيا، وكذلك روسيا. وكما أظهرت التحقيقات الأولية، وكما شاهدنا في الصور من تلك الليلة، فإن الانقلابيين فصيل صغير من الجيش مرتبط بجماعة دينية، ولو نجح فمن المؤكد أن تليه انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية، وربما مواجهات خطيرة.كل الاحتمالات التي يمكن للسياسيين أن يتوقعوها من التغيير في تركيا تؤكد أنه مغامرة لا أحد يتمناها. والهدف الذي يعمل عليه بعض الفاعلين في حكومات المنطقة اليوم هو العكس، أي تقديم تنازلات كبيرة من أجل إطفاء الحرائق المشتعلة في الجوار، في سوريا والعراق واليمن وإلى حد ما في ليبيا. والله وحده يعلم كيف كانت تركيا ستكون عليه لو وقع الانقلاب وانقسمت البلاد، شيء خارج التصور تمامًا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوف من التغيير والانقلاب التركي الخوف من التغيير والانقلاب التركي



GMT 12:12 2020 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

لو عادت المفاوضات

GMT 07:42 2020 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

هل نظام المرشد في مهب الريح؟

GMT 05:44 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

2020... طريق النهضة وطريق الهاوية

GMT 10:36 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

هل ستحارب تركيا في ليبيا؟

GMT 00:13 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

نَفَسٌ تحرري في الثورات
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 04:29 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 أشياء عن "جسر العمالقة" جعلته الأكثر شعبية في بريطانيا

GMT 02:30 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء ممتازة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 19:29 2016 الأحد ,04 أيلول / سبتمبر

فوائد الشطة لتخفيف نزلات البرد

GMT 13:15 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حامل اللقب واريورز يخسر مباراة القمة أمام رابتورز

GMT 20:47 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيورنتينا يكتسح روما بسباعية في كأس إيطاليا

GMT 16:53 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

هل تواصل إسبانيا عزف "السيموفونية الناقصة" أمام ألبانيا
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen