آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

بوتين... من بطرسبرغ إلى رجل موسكو القوي

اليمن اليوم-

بوتين من بطرسبرغ إلى رجل موسكو القوي

بقلم : أمير طاهري

من المقرر أن يتوجه الروس، الأحد، إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيسهم. وإذا كانت استطلاعات الرأي صحيحة، فإنهم سيعيدون انتخاب الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.

لدى تعيينه من قبل الرئيس بوريس يلتسين مساعداً له، جرى النظر إلى بوتين باعتباره النجم الساطع الذي يعكس المزاج الروسي خلال تسعينات القرن الماضي الذي يميل إلى التحرك السريع نحو إضفاء الصبغة الغربية على البلاد. كان بوتين شاباً قادماً من سانت بطرسبرغ، مدينة بناها الفرنسيون والإيطاليون احتفاءً ببطرس الأكبر، القيصر صاحب الميول الغربية.خلال الفترة الأولى من عمله رئيساً للوزراء، ثم رئيساً، عكس بوتين هذا المزاج العام باستمتاع كبير، وعمد إلى بناء علاقات وثيقة مع قيادات غربية، خصوصاً الرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير.

الأهم من ذلك، أنه من خلال مجموعة دول الثماني، حرص على تنسيق سياساته مع قوى غربية بشأن عدد من القضايا الدولية الكبرى منها محاولة دمج الصعود الاقتصادي الصيني داخل النظام العالمي والأطماع النووية الإيرانية والحرب العالمية ضد الإرهاب.وانتهت هذه المرحلة من مسيرة عمل بوتين في العقد الأول من القرن الجديد مع شعوره هو والدائرة المقربة منه بأن الدول الغربية لم تمنح روسيا المكانة التي تستحقها.علاوة على ذلك، فقد ساورهم الخوف من إمكانية محاولة اعتماد «التغيير الناعم للنظام» أو «الثورة المخملية» والتي جرى تجريبها بنجاح في جورجيا وقيرغزستان وأوكرانيا، داخل موسكو ضدهم. ويدرك أي شخص على دراية بالتفكير الروسي أن النظام الحاكم في روسيا عانى تلك الفترة من هواجس كانت أقرب إلى البارانويا، الأمر الذي يعتبر السبب وراء الكثير من سياسات بوتين المثيرة للجدل مثل قراره المفاجئ ببناء تحالف مع الجمهورية الإسلامية في طهران.أما في المرحلة الثانية التي لا تزال مستمرة اليوم، فقد تخلى الرئيس بوتين عن حساسيته كفتى قادم من بطرسبرغ ليصبح رجل موسكو، أي أنه يمثل القلب النابض للسلافوفيليا التي تتضمن الشك العميق إزاء القوى الغربية.ولإدراكه أوجه القصور في السلافوفيليا القديمة، حاول بوتين إعادة صياغتها على نحو سماه خيار «المبادرة الأوروآسيوية». 

ببساطة، يهدف هذا «الخيار» إلى خلق تكتل جديد من قوى آسيوية وأوروبية قادرة على أن تشكل ثقلاً اقتصادياً وثقافياً وعسكرياً موازياً لما يعتبره بوتين هيمنة غربية، وأميركية على وجه الخصوص.ومع ذلك، فإن هذا التكتل الآوروآسيوي لم يجتذب حتى اليوم سوى بيلاروسيا وقيرغيزستان. ورغم رغبة إيران الحثيثة في الانضمام، فإنها أُبقيت بمنأى عن ذلك من جانب روسيا، وإن كان ذلك قد جرى على نحو ودي.وجاءت بداية رئاسة باراك أوباما في الولايات المتحدة حاملة لبوتين فرصة ذهبية لتعزيز هذه المبادرة. وسرعان ما كشف أوباما أن أحد الأهداف الكبرى لسياساته تحجيم القوة الأميركية التي لطالما نظر إليها باعتبارها قوة شر في الكثير من أرجاء العالم.وأدت هذه السياسة إلى خلق حقبة داخل روسيا يمكن وصفها بـ«فورتشكا أوباما» أو فرصة أوباما، والتي تُرجمت في الفارسية على «بانجاريه أوباما». ولم تصل هذه الفكرة إلى الصين لأن قيادة بكين أدركت أن استمرار «المعجزة الصينية» يعتمد على وجود علاقات طيبة مع واشنطن والقدرة على دخول أسواقها. أما بالنسبة إلى روسيا وإيران، اللتين تعتبران عدوين تقليديين منذ القرن الـ18، فقد شكلت الولايات المتحدة عدواً مشتركاً.

وفي خطاب ألقاه في سوتشي عام 2014، قال بوتين إن الولايات المتحدة تنظر إلى «روسيا لقوتها العسكرية، والصين لقوتها الاقتصادية الصاعدة، وإيران لبرنامجها النووي، باعتبارهم أعداء».وحاول بوتين إلقاء اللوم على المشكلات المتفاقمة التي تواجهها حكومته بسبب «تراجع خطير في العائدات» على انخفاض أسعار الطاقة؛ إذ أنه منذ عام 2015، تراجع إجمالي الناتج الداخلي الروسي بمعدل 9.8% مع تراجع الإنتاج الاقتصادي بمعدل 8.2%. ومع اقتراب معدلات التضخم من 13% وتجاوز البطالة 12%، يتضح أن الاقتصاد الروسي في أسوأ حالاته منذ أكثر من عقد.وليس الحال بأفضل داخل إيران التي تجلت الحالة المزرية لاقتصادها في استمرار تراجع قيمة العملة المحلية فيها، الريال.من ناحيته، حاول بوتين إقناع الصين بتحويلٍ داخل ما يُعرف باسم «شنغهاي غروب» التي تأسست لمحاربة الإرهاب، إلى حلف عسكري يضم إيران. وعندما رفض الصينيون المقترح، ركز بوتين اهتمامه على بناء تعاون أوثق مع طهران.

الملاحظ أن كلاً من روسيا وإيران تحملان الضغينة تجاه الولايات المتحدة وحلفائها لعدد من الأسباب، فقد تعرضت الدولتان لعقوبات أضرت باقتصادهما، الأمر الذي فاقم تداعيات الركود العالمي. وتدّعي موسكو وطهران أن انخفاض أسعار النفط نتيجة مؤامرة من جانب واشنطن وحلفائها من الدول العربية الغنية بالنفط.واعتقد محللون داخل موسكو أنه بإمكان روسيا وإيران استغلال الجزء المتبقي من رئاسة أوباما في خلق «واقع يتعذر تغييره» داخل أوروبا الشرقية ووسط آسيا والشرق الأوسط. ورأوا أن الرئيس الأميركي القادم، الذي اتضح أنه دونالد ترمب على عكس ما كان متوقعاً، ربما يكون على ذات القدر من المرونة مثل أوباما. وعليه، حاولت طهران وموسكو استغلال «فرصة أوباما» في تحقيق عدد من الأهداف.

كان على رأس هذه الأهداف إطالة أمد المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني لمدة كافية لأن تجتاز إيران ما يطلق عليه مرحلة «اللاعودة»، التي يعتقد خبراء أنها وصلتها بالفعل عام 2015.أما الهدف التالي فكان تعزيز ما تبقى من نظام بشار الأسد داخل سوريا لضمان عدم إمكانية ظهور هيكل حكومي بديل هناك. وحتى إذا سيطر الأسد على ما يعرف باسم «الأجزاء المفيدة من سوريا»، والتي تشكل تقريباً 40% من الأراضي السورية ويعيش عليها نصف سكان البلاد، فإن هذا سيكون كافياً.وتمثَّل هدف آخر في تقليص تأثير العقوبات. وقد وافقت روسيا على الدفع بنفط خام بقيمة 20 مليار دولار في الأسواق نيابة عن إيران، للتغلب على جهود أميركية لتجميد جزء كبير من العائدات النفطية الإيرانية.الأهم من ذلك، أن روسيا وافقت على المعاونة في إسراع وتيرة البرنامج النووي الإيراني. عام 2014، وافقت على بناء مفاعلين آخرين في بوشهر في إطار اتفاق لمضاعفة حجم التجارة بين البلدين في غضون 5 سنوات. وبعد عقد من التأخير، سلمت روسيا لإيران أنظمة صواريخ «إس 400». 

كما أطلقت موسكو وطهران خططاً مشتركة لتحديث منشآت في موانئ سورية تستخدمها سفن تتبع الأسطولين الروسي والإيراني.ومع هذا، يبقى التحالف الروسي - الإيراني في جوهره غير مستقر، ذلك أن تاريخاً طويلاً من العداء لا يمكن محوه بين عشية وضحاها، خصوصاً في ظل التنافس بين البلدين على النفوذ داخل منطقة بحر قزوين ووسط آسيا. كما أن أشكال التحالفات المنتمية إلى القرن الـ19 ربما تفتقر إلى الفاعلية في القرن الـ21.ومع اقترابه من فترة رئاسة جديدة، يكاد يكون في حكم المؤكد أن بوتين سيدرك أن النسخة «الأوروآسيوية» من السلافوفيليا ليست سوى محض أوهام.

 كما أن هناك مؤشرات توحي بحدوث تغييرات في المزاج العام الروسي من جديد، مع ظهور أصوات جديدة داعمة للتحرك نحو النموذج الغربي.

 أما النبأ السار هنا فهو أن بوتين شخص يسعى بطبيعته لانتهاز الفرص السانحة، ولا يتشبث بآيديولوجيات بعينها. وعليه، فإنه قابل للإقناع والدخول في مساومات.

المصدر : جريدة الرأي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين من بطرسبرغ إلى رجل موسكو القوي بوتين من بطرسبرغ إلى رجل موسكو القوي



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 10:41 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

طغاة إمبراطوريات الأقزام

GMT 09:37 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

ملالي طهران والمقامرة الخاسرة

GMT 14:07 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وحزام «آية الله» الناسف المزيف

GMT 14:04 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المخاطر الكبرى لحل قاسم سليماني لأزمة العراق
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 13:37 2017 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طيار يخطب فتاة على متن رحلة الخطوط الملكية الأردنية

GMT 05:15 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

جنيفر لورانس مثيرة في فستان بتوقيع ألكسندر ماكوين

GMT 01:57 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الدكتور مجدي بدران يكشف سبب إصابة الأطفال بـ "الربو"

GMT 11:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

زوجة تضع المنوّم لزوجها لتتمكن من خيانته مع جارهما

GMT 06:42 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

عرض أضخم خريطة قديمة بعد أكثر من 400 عام

GMT 05:00 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل جديدة عن دور غادة عبد الرازق في "الكارما"

GMT 21:51 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أبطال "مسرح مصر" في "آثار جانبية" الجمعة على "إم بي سي مصر"

GMT 23:04 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تحرير الشام تستعيد قرى من النظام في ريف حلب

GMT 05:46 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عشاق جوان ديدون يتوجونها على عرش الموضة رغم السن

GMT 04:07 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

"مرسيدس" تتحدى كل منافسيها بسيارتها الكابورليه

GMT 09:40 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

فندق فارالدا كرين- أمستردام من أميز وأغرب فنادق أوروبا
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen