آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

... إمّا الوحدات القائمة أو الدم

اليمن اليوم-

 إمّا الوحدات القائمة أو الدم

بقلم/ حازم صاغية

دم بريء في كفريّا والفوعة بعد الدم البريء في خان شيخون بعد الدم البريء في الكنيستين القبطيّتين، وسط شلاّلات دم في العراق وليبيا واليمن...

أمام هذا الهول المتعاظم والمتمدّد استُنفدت الحجج جميعها. صحيح أنّ استبعاد السياسة يبقى السبب الأوّل في هذا العنف، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ العنف الذي استطال وتجذّر جعل استبعاد السياسة مطلباً. الآن، كلّ طرح لحلّ سياسيّ ما هو إلاّ طرح جماعة أهليّة بعينها، كبرت أم صغرت، ضدّ جماعة أهليّة أخرى. في المقابل، بات كلّ اتّهام بارتكاب إرهابيّ ما اتّهاماً أهليّاً ينقل ما تفكّر به جماعة محدّدة وما تتخيّله. الشفقة والرحمة والتعاطف باتت قيماً «مُطيّفة» بالكامل، أي اضمحلت كقيم. المهمّ، عند الفاعلين، ما يصلح من هذا الدم ليكون برهاناً على أنّ الطرف الآخر مجرم.

كلّ شيء تعفّن ويتعفّن. بالتدريج يختفي البعد السياسيّ من الصراعات الدمويّة، ويتّضح كم بات مستحيلاً تسييسها. تغيير الأنظمة بذاته هو ما بات يُشكّ كثيراً في أن يكون كافياً حتّى لو تمّ التخلّي عن بعض الرؤوس والرموز. لقد صار التغيير وراءنا، ليس لأنّنا حقّقناه، بل لأنّه لن يتحقّق. إنّه لم يعد مطلباً وطنيّاً ينهي الحروب، في ظلّ التصدّع الواسع للمجتمعات. إنّه المطلب الذي يعاد اليوم تدويره في مطالب الأهالي المتضاربة وفي سعيهم إلى التغلّب. لهذا يغدو مستحيلاً كما يغدو سبباً لمزيد من القتل.

الرهان على الحلول من الخارج يتضاءل أيضاً، ليس فقط لأنّ سياسات الغزو الإيرانيّة – الروسيّة تُعدم الحلول، بل أيضاً لأنّ التحوّلات الأميركيّة الجديدة، ذات الطبيعة العسكريّة البحتة، تضعنا أمام مزيد من الغموض والمجاهيل. إعادة التكيّف مع هذه التحوّلات ستستدعي، بدورها، دماً أكثر. احتمال حرب في كوريا يُستبعد أن يمهّد لسلم وتسويات في الشرق الأوسط.

فلننظر إلى ثنائيّ السياسة والعنف في بلد كلبنان، حيث العنف ضامر أو مُستوعَب أو مؤجّل. هنا يقيم هذا العنف في السياسة المتاحة على نحو لا يعوزه الشرح: مثلاً، إذا كان هدف الانتخابات، من حيث المبدأ، تفادي العنف وضبط نزاعات الشارع في المؤسّسات، فإنّ الخلاف حول القانون الانتخابيّ يشي بإرادة أخرى: الطوائف لا تريد من القانون الانتخابيّ إلاّ تمكين نفسها في مواجهة طوائف أخرى... أي، تحسين شروط غلبتها أو تحسين شرطها العسكريّ. بمعنى ما، يتصرّف اللبنانيّون وكأنّهم يحسدون «الأشقّاء العرب» على انخراطهم في العنف المباشر!

بصراحة، وكائنة ما كانت الأسباب التي يمكن للخوض فيها أن يستمرّ دهوراً، هذه الكيانات غير قابلة للعيش في شكلها الراهن. إنّها مصانع لتوليد الحروب ولإعدام التغيير. كلّ حفاظ عليها وعلى صيغة اجتماعها الوطنيّ هو تأبيد للدم والخراب (اللذين يتّهم كلّ طرف أهليّ الطرف الأهليّ الآخر بهما!). كلّ تسريع في طرح هذه المسألة، وكلّ تخفّف من حمولة الوطنيّات القاتلة، يقلّلان الدم.

المخيّلة السقيمة والكسولة (لا للتقسيم، تستفيد إسرائيل، مؤامرة المستشرقين، نحن إخوان...) آن لها أن تستريح وتريح. إنّها مسؤولة، إلى جانب المسؤولين الآخرين، عن الأرواح التي تُزهق. هذا لا يعني وجود بدائل سهلة وجاهزة. إنّه يعني أنّ الواقع القائم ينبغي أن يتغيّر فحسب، لا بوصفه أنظمة فحسب، بل بوصفه اجتماعاً أساساً. الفصل بين المتحاربين هو الخطوة الأولى لوقف الحرب، و»الإخوة» متحاربون فحسب.

إنّ بعض الطلاقات مكلف وصعب، لكنّ إتاحة الطلاق باتت شرط إبعاد القاتل من القتيل. وها نحن لا نزال نفكّر في أمور كثيرة والمطلوب واحد... واحدٌ لا يزال، على رغم كلّ شيء، محرّماً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 إمّا الوحدات القائمة أو الدم  إمّا الوحدات القائمة أو الدم



GMT 00:41 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

استهداف مصر مرتبط بالرد الأميركي...

GMT 00:38 2017 السبت ,08 إبريل / نيسان

سوريّة سبارتاكوس ... سوريّة الأسد

GMT 00:56 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

أين المجزرة؟
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen