آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

ترامب: بذور الانحطاط والأزمة المفتوحة

اليمن اليوم-

ترامب بذور الانحطاط والأزمة المفتوحة

بقلم / حازم صاغية

إقالة جيمس كومي، بعد استقالة أو إقالة مايكل فلن، وحالات التراجع والتعثّر والتناقض التي ارتكبتها الإدارة الأميركيّة الحاليّة، ليست مجرّد سياسات خرقاء. إنّها تستند إلى تقليد أخرق.

صحيح أنّ دونالد ترامب لا ينقصه الجهل، وأنّه يرى إلى السياسة كصفقة تجاريّة، وإلى المناصب كتنفيعات للأقارب والمقرّبين. وصحيح أيضاً أنّ صلاته بالروس وبفلاديمير بوتين وإعجابه بالطغاة تتحوّل من شبهات إلى أدلّة...

مع هذا يبقى في الترامبيّة شيء أبعد وأهمّ من شخصه المحض. إنّه المصدر العميق لما نراه اليوم. هذا الشيء هو أنّ ترامب يقود نظاماً ديموقراطيّاً عبر «نهج» يناقض حكم القانون، ويرتدّ بالتالي عن السويّة التي بلغتها الممارسة الديموقراطيّة. هذا «النهج» له اسم: الحكم بالمزاج وبالاعتباط وبتغريدات «تويتر»، أي بالتراجع عمّا آلت إليه الديموقراطيّة المعاصرة والفهم المعاصر لها.

بذور هذا السلوك النكوصيّ قويّة في ذهنيّة ترامب وفي سلوكه. هنا بضعة أمثلة:
المعرفة المدرسيّة بتاريخ الديموقراطيّة، والتي تعيدنا إلى أثينا القديمة، تعلّمنا أنّ تلك الديموقراطيّة اقتصرت على الذكور دون الإناث من المواطنين الأثينيّين. وبالرجوع إلى مواقف ترامب من المرأة، يتبدّى أنّ هذا الرئيس على استعداد، فيما لو تُرك الأمر له، أن يلغي كلّ التطوّر الذي طرأ على المفهوم مذّاك.

البدايات الديموقراطيّة اقتصرت أيضاً على الأحرار دون العبيد. أمّا البرامج الاجتماعيّة لترامب، لا سيّما في ما خصّ الإعفاءات الضريبيّة للشركات، فتعلن انحيازه ضدّ الفئات الأفقر في المجتمع ممّن هم المعادل المعاصر، مع حفظ الفوارق الهائلة طبعاً، لعبيد أثينا القديمة. هؤلاء لم ينالوا حقوقهم السياسيّة إلاّ بنتيجة توسّع قاعدة الديموقراطيّة نفسها، أي دمقرطتها.

فوق هذا، شملت الديموقراطيّة القديمة المواطنين الأصليّين وأخرجت من فردوسها الأجانب. بدورها، اصطبغت مواقف ترامب حيال اللاجئين والمهاجرين بهذه «العاطفة» التي تستثنيهم وتُخرجهم.

إذاً وضعت أثينا النساء والعبيد والأجانب خارج الانتخاب. هؤلاء شكّلوا 85 في المئة من سكّانها. 
النكوص، في عالمنا الراهن، إلى هذا المبدأ القديم يعني السعي إلى ممارسة الحكم من دون رقابة على الحاكم. يعني بالضبط الحكم بالمزاج والاعتباط. يعني الكراهية لفصل السلطات الثلاث، وأقصى العداء لـ «السلطة الرابعة»، وتالياً الإعجاب ببوتين وأمثاله ممّن قد يتسبّبون بعزل ترامب.
الأمر لا يقف هنا: فمسيرة المفهوم الديموقراطيّ من أثينا القديمة إلى زمننا الراهن هي أيضاً مسيرة انتقال من الديموقراطيّة المباشرة إلى الديموقراطيّة التمثيليّة التي استدعاها اتّساع رقعة الدول الإمبراطوريّة وتعاظم سكّانها. هكذا غدا ممثّلو الشعب الواجهة والفاعل المباشر، فيما غدا الشعب المصدر الخلفيّ للشرعيّة.

ترامب، كشعبويّ، يكره الحلقات الوسيطة بينه وبين «الشعب»، أكانت «مؤسّسات» أم «نُخباً». معاركه معها، كمعاركه مع الصحافة، لا هوادة فيها.

هكذا كثرت المقارنات بينه وبين حكّام جمهوريّات الموز وديكتاتوريّات «العالم الثالث». معمّر القذّافي، مثلاً لا حصراً، كان يأتي أفعالاً من طبيعة ترامبيّة. لكنّ القذّافي لم يكن يحكم نظاماً ديموقراطيّاً، ولا كان ينكص إلى صيغة أولى وقديمة من الديموقراطيّة. هنا يرتسم الفارق بين اندهاشنا الصغير بالقذّافي واندهاشنا الكبير بترامب. وصف الأخير بالتراجع عن الديموقراطيّة الليبراليّة لا يفيه «حقّه». إنّه أسوأ كثيراً من ذلك.

يفاقم أمره أنّ شيئاً كثيراً من هذا يقيم في معظم سياساته الخارجيّة: 70 مدينة يونانيّة قديمة كانت تخضع لاسترقاق أثينا إبّان عهد بيركليس الديموقراطيّ. هذا تغيّر جذريّاً بدوره: إيمانويل ماكرون، مثلاً، اعتذر من الجزائريّين عشيّة انتخابه. قال إنّ بلاده ارتكبت «جريمة ضدّ الإنسانيّة» في بلادهم.

لهذا يُشكّ في أن ينجو ترامب اليوم. بتعيين أندرو ماكابي خلفاً لكومي، أو من دونه، ستستمرّ حرب الخنادق بينه وبين المؤسّسات، أو بالأحرى بينه وبين ما تطوّرت إليه الديموقراطيّة. هزيمة ترامب، في هذه المواجهة انتصار لأميركا والعالم، للديموقراطيّة وتطوّرها. انتصاره، إذا حصل، هزيمة لكلّ شيء ذي معنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب بذور الانحطاط والأزمة المفتوحة ترامب بذور الانحطاط والأزمة المفتوحة



GMT 05:49 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

(ترامب وماكرون وسورية في بريد القراء)

GMT 06:05 2017 الأحد ,14 أيار / مايو

لا فارق إذا رحل ترامب.. أو بقي

GMT 05:31 2017 الخميس ,11 أيار / مايو

(ترامب أمام عاصفة قد تصبح إعصاراً)
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 03:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

بعيدا عن الأكاذيب والصفقات المضروبة !!

GMT 15:16 2016 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

افضل 4 أنواع من الشامبو لشعر كثيف لامع وناعم

GMT 23:20 2016 السبت ,13 آب / أغسطس

فؤائد ممارسة الجنس بكثرة بين الزوجين

GMT 03:54 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

شمبانزي بالغ يختطف آخرًا عمره بضع ثواني قبل أن يلتهمه

GMT 02:01 2016 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

إيمان العاصي تكشف عن سعادتها بنجاح "السبع بنات"

GMT 17:22 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

جوارديولا يصرح عليَّ تعلم الكثير.. وأنا هنا بسبب فلسفتي

GMT 05:50 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

شواطئ جزر سيشل قبلة العشاق في شهر عسل
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen