آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

أنصار المقاومة الأيديولوجيّون... يكذبون

اليمن اليوم-

أنصار المقاومة الأيديولوجيّون يكذبون

بقلم/ حازم صاغية

في الحياة الثقافيّة اللبنانيّة صوت غريب لم تستطع التجارب الكثيرة التي خطّأته أن تضعفه. إنّه صوت الدمج بين أمرين لا يندمجان: من جهة، برنامج مدنيّ وتقدّميّ يبدأ بمكافحة الرقابات ولا ينتهي عند تذليل الطائفيّة (وبعض من هم أشدّ تفاؤلاً وتسرّعاً يتحدّثون عن «إلغائها»!). ومن جهة أخرى، برنامج نضاليّ وعنفيّ مداره المشاركة المباشرة في صراعات المنطقة، وآخرها الحرب على السوريّين.

هذا الدمج المستحيل ربّما كان الشيوعيّون والقوميّون السوريّون، كلٌّ بطريقته، أوّل القائلين به. عند الشيوعيّين اندرج الأمر في صراع حركة التحرّر الوطنيّ ضدّ الاستعمار والإمبرياليّة، تبعاً للتأويل السوفياتيّ لهذه المصطلحات، وبما يخدم مصالح موسكو الاستراتيجيّة. عند القوميّين، ترتبط المسألة بكفاح «الأمّة السوريّة» النافية للكيان اللبنانيّ. البعثيّون الذين لم يكونوا مرّةً أقوياء في لبنان، كانوا تقليديّاً يدفعون في الاتّجاه ذاته غير معنيّين بـ «القطر» اللبناني.

هذا الوعي كان وبقي، في أحسن أحواله، وعياً مخدوعاً. ففضلاً عن قدرة الأطراف الخارجيّة على توظيفه والإفادة منه، لم يكن مطلب الانخراط في الحروب إلّا مطلب طوائف لا تقلّ طائفيّتها عن الطائفيّة المارونيّة، ولا تقلّ في سعيها إلى التمكّن عن السعي المنسوب إلى المارونيّة السياسيّة.

بدايةً، في الخمسينات والستينات، ارتبطت تلك الدعوة بالطائفة السنّيّة التي أغراها وزن مصر الناصريّة ثمّ بندقيّة المقاومة الفلسطينيّة عوناً في تمكينها الطائفيّ. بعد ذاك، باتت تلك الدعوة شيعيّة تراهن على وزن إيران الخمينيّة وسورية الأسديّة لإحراز التمكين ذاته. أمّا قتال إسرائيل فكان، ولا يزال، الذريعة التي تُستخدم، مرّة لأنّ إسرائيل عدوّ نظريّ (حتّى قيام المقاومة الفلسطينيّة)، ومرّة لأنّها عدوّ يقاتلنا (إبّان تلك المقاومة)، ومرّة لأنّها تحتلّ (2000-1978)، ومرّة لأنّها سوف تحتلّ ولا بدّ من أن تحتلّ (من التحرير إلى أبد الآبدين). وبعدما كانت الحجّة أنّنا جزء من المنطقة، فيما المنطقة تقاتل، لم نعد جزءاً من المنطقة حين بدأت المنطقة تسالم. هكذا صرنا جزءاً من منطقة أخرى عاصمتها طهران، فيما المنطقة غدت، وفقاً للأصوات الأشدّ بذاءة، «أعاريب».

بمعنى آخر، لا بدّ من إبقاء السلاح صاحياً.
في هذا، كان الوعي المخدوع لا يوفّر إلّا التأويل الأيديولوجيّ لمشاريع تحكّمٍ طائفيّة هي أشدّ من النظام القائم رجعيّةً ورقابيّةً وانحيازاً إلى أفكار متخلّفة في الحياة والثقافة والجنس. لكنّ الانخداع بدأ يصبح تواطؤاً مع مرحلة الانتقال من سنّيّة المشروع النضاليّ إلى شيعيّته. فحين نفّذت الأخيرة تصفية الأولى، ومعها المقاومة الفلسطينيّة في طرابلس والبقاع والمخيّمات (كما أسكتت بالعنف اللبنانيّين التابعين باسم الأيــديولوجيا لتلك المقاومة)، أبصر حتّى العميان أنّ الموضوع يقيم في مكان آخر: إنّه ليس المقاومة، بل موقع الطائفة في الداخل ونفوذ حليفها الخارجيّ. هذه الحقيقة عاد التورّط في سوريّة ليجلوها على نحو لا يقبل التأويل.

المخدوعون و/أو المتواطئون، الزاعمون لأنفسهم قوّة بصر وبصيرة، لم يبصروا. لكنّهم لم يبصروا شيئين آخرين: الأوّل أنّ كلفة البرنامج الاجتماعيّ للطائفة التي ينصرونها أكبر من مكسب التحرير، حتّى لو تحقّق كاملاً، أيّ بشموله على فلسطين التاريخيّة! المكسب المفترض خرافيّ طبعاً، فيما سيادة هذا البرنامج الباعث على الانحطاط ممكنة جدّاً، وهي ممكنة جزئيّاً بفضلهم.

أهمّ من ذلك هو الشيء الآخر الذي فشلوا في أن يبصروه: أنّ الحروب بذاتها، وعلى عكس ما تقوله الخطابات والأناشيد، مصنع لتسييد العنف والرقابة وتحكّم الرجل «القويّ» بالمرأة «الضعيفة» (والشهداء بالأحياء). «مصلحة الأمّة» و «مستلزمات المواجهة» عملت دائماً وتعمل دائماً ضدّ الحرّيّة والتقدّم. في لبنان تحديداً، إنّها تعمل أيضاً على تمكين الطائفيّة. على إخافة الطائفة غير المسلّحة من الطائفة المسلّحة. على إضعاف الإجماعات القليلة أصلاً الموجودة بين الطوائف.

إنّ تجربتي الحربين الأهليّتين في لبنان ما بعد الاستقلال، الحرب الصغرى في 1958 والحرب الكبرى في 1975 – 1990 لا تقولان إلّا هذه الحقيقة: الانخراط في الصراع الدائر في المنطقة يمهّد لحرب أهليّة تزداد معها نسبة التخلّف والتأخّر والطائفيّة وتقلّ نسبة الحرّيّة والتقدّم. دمج الاثنين هو تزويج فيل لنملة.
لهذا لا تكتمل الدعوة إلى رفع الرقابات وسلطات رجال الدين وفساد السياسيّين إلخ... من دون الدعوة إلى حياد لبنان، أو، على الأقلّ، إلى استعادة تلك الصيغة التي عُرفت بالهدنة وسكّنت الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة كلّيّاً بين 1949 و1968. هكذا يكون الانتماء إلى المنطقة: لا نسبق العرب في الحرب، كما فعل «حزب الله»، ولا نسبقهم في السلم، كما حاول بشير الجميّل أن يفعل.

الأيديولوجيّون الذين يقولون غير هذا يكذبون. الصادقون هم الذين يقولون: لا يهمّنا لبنان، ولا موت الناس، ولا تصاعد الطائفيّة، ولا زواج القاصرات، ولا الرقابات الأخلاقيّة. قد نسمح بالتسلّي بهذه المسائل في الوقت الضائع، لكنْ، في النهاية، يهمّنا شيء واحد: أن يبقى السلاح في يد طائفتنا لمصلحتها ومصلحة النفوذ الخارجيّ الذي يخدمها وتخدمـــه. «حزب الله» صادق لأنّه، بطريقته، يـــقول هذا. حلفاؤه الذين يتستّرون على طائفيّته ودينيّته وتخلّفه، أو يقلّلون من أهميّتها قياساً بمقاومته، شيء آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنصار المقاومة الأيديولوجيّون يكذبون أنصار المقاومة الأيديولوجيّون يكذبون



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen