آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

طبريا، «نحن من ماء» !

اليمن اليوم-

طبريا، «نحن من ماء»

بقلم _ حسن البطل

 بحرٌ ميّت يصبّ فيه نهرٌ يموت. لنذهب، إذاً، من مصبّ النّهر إلى صبيب النّهر في «رأس النبع». تقول غادة السمّان في رواية لها «لا بحر في بيروت». يوجد بحرٌ أبيض ـ أزرق في بيروت وغزّة، وهذه الضفّة من فلسطين «جزيرة بريّة» جدّاً. لا نهر ولا نُهَيْر، لا بحر ولا بُحيرة.

للبحر الميّت نعت بُحيرة لوط، ولبحيرة الحولة أن تُسمّى «بحر الجليل»، وقد سملوا عين بحيرة الحولة، وبقيت «بيضة الثور» هذه ذات «الإحليل» الطويل الذي يصبّ في بحر ميّت أشبه بـ «فرج مشروم» لعجوزٍ شمطاء.

«نحن من ماء» قال النبي وصاحبه مراوغاً سؤال أعرابي زمن التخفّي والدعوة. قال الأعرابي «لا أفصح حتى تفصحا». قال النبي «لا نفصح حتى تفصح»، ثم قال للأعرابي «نحن من ماء»، فقال الأعرابي: «إذن أنتما من عراق».

لعلّ النبي كان يقصد أن البشر أجمعين أبناء ماء «نطفة، فعلقة، فمضغة».. ونحن ذهبنا إلى صبيب النُهَيْر، الحاصباني، في نهر يصبّ ببحيرة طبريا (بحر الجليل). الفلسطينيون، أيضاً، من ماء.

ليتها رحلة عائلات موظّفي «الأيّام» إلى الماء، لكنها «زيارة حامضة» إلى ما كان البلاد ويبقى البلاد.. فأي بلاد أضاعوا، لنصير في «جزيرة بريّة». لا نهر البلاد نهرنا المتاح، ولا شرفتنا على بحيرة لوط متاحة لنا يومي العطلة الجمعة والسبت، ولا بحر الجليل متاح دون إذن تصريح. طلبنا خمسين تصريحاً فأعطونا خمسة وثلاثين، وملأنا شواغر الباص بالزوجات والأولاد. رحلة عائلية، أو زيارة سحابة ساعات من النهار.

ثقالاً ذهب أرباب العائلات، وخفيفاً ذهبت معهم. الهُويّة واجبة، والكاميرا الرقمية بديل حقيبة الكتف القماشية. قبل البحيرة من طريق وبعد البحيرة من طريق، طرحت على الزملاء سؤالاً: ها نحن نسير 30 كيلومتراً في إسرائيل والأرض الطيبة شاغرة من الناس.. فكيف لا نسير أكثر من 10 كيلومترات في هذه «الضفة البريّة» دون أن تصطدم بمستوطنة أو بؤرة فوق التلال؟

حقّاً، نُزاحمهم» في المثلّث والجليل والنّقب، و»يُزاحموننا» في هذه «الجزيرة البريّة»، ربّما لأنّ تلالها تُغويهم كما يغوينا البحر والبحيرة والنّهر.

المدينة أعطت اسمها للبحيرة، التي نسيت اسمها «بحر الجليل»، والمدينة قلبت ظهر المِجَنّ لعرب البلاد الذين تركوا فيها حجارة بازلتية سوداء، على قلعة منها هذه العبارة: «بناها أمير بدوي يُدعى ظاهر العمر».. أو لوحة عن طوفان ما بعد طوفان نوح. في العام 1935 أغرق مطر مدرار مدينة طبريا، وأهلك أرواح العشرات، واعتبرها المندوب البريطاني «مدينة منكوبة».

من يسبح ومن لا يُجيد العوم امتطى ظهر زوارق مطاطية بمجاديف، غير عابئ بتعليمات الأمان (لباس سباحة ونظّارات.. وإياك أن تمسك بأغصان الأشجار فيتركك النّهر السريع خارج القارب).

من يسبح ومن لا يُجيد العوم امتطى ظهر العبّارة في جولة على سطح ماء البحيرة (البحر الميت يموت بسرعة، ونهر الأردن يجفّ أسرع، وبحيرة طبريا تكشّ شواطئها).

أهي مُصادفة؟ لا عرب في المدينة، وشواطئ البحيرة تعجّ بالعرب الذين يَحُجّون إلى كعبة البحيرة والنّهر الذي يُعانق نهراً (حاصبيا يرفد الأردن بغزارة أكبر مما يرفد الأردن بحيرة لوط). يمكنك أن تغرف الماء الزلال بكفّ يدك وتروي كما لا ترتوي من الحنفية وزجاجة الماء المعدنية.

الوقت سيف كما يقال، وسيف الوقت قطعنا ومنعنا عن صعود تلال أرض الجولان، أرض التفّاح والأبقار. الأولاد يُريدون «اللعبطة» في الماء، وأنا كنت أريد تفّاحة جولانية لي وأخرى لصديقي في رام اللّه. تفّاحة لـ «الطعم» القديم ، لا تفاحة «مشمّعة» قاسية القشرة!
رحلة تذكّر برحلة يوم كنّا نزور الجولان، أيّام المدرسة، قادمين من دمشق، ورحلة كنا ننوي بها زيارة الجولان من فلسطين (قلت فلسطين) لماذا نسافر ثلاثين كيلومتراً في أرض خلاء بإسرائيل، ونسافر عشرة كيلومترات في ضفة ملأى بالمستوطنات؟ ضفة تجمع ماء السماء لإسرائيل التي تسقينا من بعض مائنا!

الماء والخضراء.. والصبايا الفلسطينيات يدبكن على متن العبّارة الحديدية «الليدو»، وهذه البلاد تستحق وصفها «قارة صغيرة» هي أكبر بلاد الساحل السوري تنوّعاً جغرافياً.

كثير من الصور للذكرى، وطبق من السمك النهري في المطعم العربي للنسيان. نحن واليهود من ماء، لكن الجدار يفصل بلادنا ــ بلاد الماء عن بلادنا ــ جزيرة بريّة.

المصدر: جريدة الأيام

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبريا، «نحن من ماء» طبريا، «نحن من ماء»



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen