آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

يراني .. ولا يرى ما أرى!

اليمن اليوم-

يراني  ولا يرى ما أرى

بقلم : حسن البطل

سألني طلال الثاني: "ممّ تخاف؟"، فأعطيته جوابي: "من شياطيني الداخلية.. ليس إلاّ"، وظلّ طلال الثاني يذكرني بما فهمه من معانٍ مختلفة لجوابي "الغريب".. حتى والسرطان بدأ ينهش رأسه؟

طلال الثاني عاد جثة منتفخة، أصلع الرأس، إلى مسقط رأسه في "ميس الجبل"، إحدى أقرب القرى اللبنانية إلى حدود فلسطين.

كان طلال (الذي عَمِل، في طفولته، دليلاً لأوائل الفدائيين في جنوب لبنان) خذل وصيّتي التي أوصيته بها رجلاً وزميلاً أمام "المقر الحربي" لجريدة "فلسطين الثورة" قبل أيّام من خروجنا: تزوّج روضة يا طلال. اذهب إلى قريتك "الميس" عامين أو ثلاثة.. وعندما تتبدل الأحوال، سيكون زواجك بلاجئة فلسطينية من مخيم شاتيلا مُعيناً آخر لك، في نضالك الجديد نحو معنى جديد لـ "التلاحم اللبناني - الفلسطيني".

عَمِل طلال همداني بنصف الوصية. تزوّج من روضة.. ولحق بنا إلى قبرص، وعَمِل مثل ساعدي الأيمن، أي سكرتيراً للتحرير في مجلّة "فلسطين الثورة".. حتى قبل نهاية الشوط بقليل.
ذات صباح، وفي غرفتنا المشتركة، باح لي بسبب خيانته لنصف وصيّتي. قال: عندما خرجتم، فقد لبنان كثيراً من روحه. لم أتعلم المنفى واللجوء مثلكم. لكن "جماعة أمل" جعلت حياتي مستحيلة في "ميس الجبل"، فإمّا أن أنضمّ إلى "حزب الله"؛ وإمّا أن أحمل السلاح ضد أصدقاء طفولتي الذين صاروا في "أمل".. وإمّا أن ألحق بكم.

- أهلاً وسهلاً؟ قلت له. أهلاً بك في وطن مؤقت فلسطيني في المعنى.. وفي المنفى! كان رهاننا -أنا وطلال الثاني- حول هذه النقطة: هل يستضيفني، يوماً، في "ميس الجبل" أم أستضيفه، يوماً بعيداً، في "طيرة الكرمل".

لم يذهب طلال الثاني، اللبناني الشيعي، إلى النسيان، لكن بعد موته تفاقم خوف روضة على مستقبل أولادها، انتهى طلال إلى قبر في بلاده لبنان أقرب ما يكون إلى فلسطين؛ وانتهت روضة وولداها "يزن" و"فادي" إلى لجوء كندي.

.. وأما طلال الأول، السوري، وسكرتير تحرير "فلسطين الثورة" في المرحلة البيروتية، فقد انتهى إلى قبر في مقبرة الشهداء بمخيم شاتيلا، بعد أن شقّت قذيفة كتائبية صدره، وأخرجت قلبه إلى التراب، وقد كان في مهمّة صحافية إلى "تل الزعتر" المحاصَر.

على قبر طلال الأول؛ طلال رحمة، صديق العمر، وضعت وردة، وعلى قبر طلال الثاني سأضع وردة ذات يوم.

* * *
سألني صديق في رام الله "ممّ تخاف؟"، فلم أعطه أيّ جواب. سأعطيه لقارئي: أخاف ملاكين رجيمين (أكرّر: ملاكين رجيمين)، أحدهما ابن زميلي (الراحل) محمد حمزة غنايم في باقة الغربية؛ وثانيهما ابنة زميلي عزت ضراغمة في بيت لحم.

.. وأيضاً، أخاف شيطاناً رحيماً (أكرّر: شيطاناً رحيماً) يُدعى "الانترنت" لماذا؟
لأنّ رأي الزميلين غنايم وضراغمة، وسواهما، في كتاباتي لا يعنيني كثيراً، وأما رأي الابن والابنة فأحسّه ثقيلاً على كاهلي، لا لشيء إلاّ لأنني أتذكّر تأثيرات قراءاتي الأولى عليّ في أوّل سنّ اليفاعة.

فلماذا أخاف هذا "الانترنت"؟
لأسباب عدّة، سأتحدّث عن "الطازج" منها:
أطلّ عليّ، "البروفيسور عبد القادر ياسين"، من جامعة غوتنبرغ السويدية، عبر "الانترنت" برسالة، مطلعها: "سأستغرب إن كنتَ تتذكّرني".

عبد القادر ياسين يلاحقني بمشاغباته التي أتعبتني في بيروت، وأرهقتني في نيقوسيا، ويكاد يقصم ظهر صبري بسؤاله "الساذج": كيف تشعر وقد أنهيت 48 عاماً في المنفى؟ وهل أن "وطن الدولة" أخذ منك "وطن الحلم والمعنى".
* * *

يا زميلي عبد القادر ياسين، إليك جواباً مقارباً؛
ذهب شعبي عميقاً في الطحين، وذهب أصدقاء كثيرون (لك ولي) عميقاً في دمهم، وها أنا أذهب، في الفترة بين فرض طوق ورفعه، عميقاً "في تفاصيل البلاد"!
من دون الذهاب "في تفاصيل البلاد" لن تحسّ بما عناه درويش في أمله أن "نُصاب بالوطن البسيط واحتمال الياسمين".
فقد مات طلال الأول وطلال الثاني، وعشرات الآلاف سواهم، قبل أن نصاب بـ "الوطن البسيط"، ولعلّك، في غوتنبرغ، تستطيع أن تشمّ شيئاً من رائحة الياسمين.. والسلام.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يراني  ولا يرى ما أرى يراني  ولا يرى ما أرى



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen