آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

التصوف العقلانى

اليمن اليوم-

التصوف العقلانى

معتز بالله عبد الفتاح
بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

أعجبنى ما كتبه الأستاذ أحمد السيد عن التصوف عند الأستاذ عباس محمود العقاد، حيث أوضح أن بعض المتصوفة قد أشاروا إلى ضعف العقل البشرى وأنه لا يستطيع أن يصل للحقيقة.. واختلف الأكثرية حول حدود التصوف وضوابطه، ولم يتفقوا على تعريف واضح لمعنى العزلة، وهل الذين لم يتخذوا نهج العزلة من المتصوفة كان لهم إنتاج ثقافى وفكرى أثرى الفكر الإسلامى، أم أنهم لم يخرجوا أبداً من دائرة الرياضة الروحية وطريق السلوك إلى الله؟ وكثير من هذه الإشكالات التى تحدث عنها محمود عباس العقاد وعن المنهج الصوفى بشكل عام.

فبداية يرى العقاد أن التعمق فى طلب الأسرار هى صفة مشتركة بين الصوفية الحقة وفلاسفة التفكير الذين يغوصون إلى الحقائق البعيدة وعلماء النفس الذين ينقبون على ودائع الوعى الباطن وغرائب السريرة الإنسانية.

ويضيف أن الإسلام وبشكل قاطع يرفض الرهبانية والانقطاع عن الدنيا، لذلك تجد أن الديانات الأخرى قد أخرجت من الرهبان والنساك المنقطعين عن الدنيا أكثر مما أخرجهم الإسلام دون مراء.. بينما الأمر يختلف عند الكلام عن الصوفية الإسلامية؛ فإن عدد الصوفيين ذوى الآراء والأقوال أكثر من أمثالهم فى جميع الديانات الأخرى، ويؤكد العقاد بأنك إذا جمعت أقوال المتصوفة فى الإسلام ملأت الأسفار الكبرى، وطرقت كل باب من أبواب الحكمة الإلهية. ثم يقسم الصوفية من حيث المضمون إلى نوعين اثنين: نوع العقل والمعرفة، ونوع القلب والرياضة.

ويؤمن العقاد أن من الصوفية العقلية طلاب المعرفة والذين يُحسَبون فى عداد الفلاسفة الأفذاذ مثل محيى الدين بن عربى وذو النون المصرى، فهؤلاء الصوفيون العقليون يذهبون بالعقل إلى غاية حدوده، ولا يتهيبون الشكوك والاعتراضات بل يقولون بلسان الغزالى: إن الشك أول مراتب الإيمان. ولكنهم متى بلغوا بالعقل غايته ملكتهم نشوة الوجدان فأسلموا أمرهم كله لله، وليس اشتغالهم بالعقل مانعاً لهم أن يشتغلوا بالرياضة النفسية، وإنما يشتهرون بأفكارهم لأنها الصلة بينهم وبين تلاميذهم ومريديهم وقرائهم.

على عكس الصوفيين القلبيين الذين يلتمسون المعرفة المباشرة برياضة النفس على قمع الشهوات، فعندهم أن شهوات الإنسان فقط هى الحائل بينهم وبين النور والمعرفة.

كما يقسم الصوفية من حيث علاقتها بالدنيا إلى فريقين: فريق يتخطاها وينبذها، وفريق يمشى فيها ويصل منها إلى الله.. فالفريق الأول يرفضها لأنها وهم وغشاوة مزيفة كالطلاء الذى يوضع على المعدن الخسيس ليخيل إلى النظار أنه معدن نفيس، ونوع آخر يخوض غمار الدنيا ليبتلى نفسه ويمتحنها بتجاربها وغواياتها، وعنده أنها جميلة؛ لأنها من خلق الله؛ وكل ما يخلقه الله جميل. ويوقن العقاد أن هذا النوع من الصوفية أقرب أنواعها إلى الإسلام؛ فليس على المسلم حرج أن يرى للدنيا ظاهراً خداعاً، وباطناً صادقاً أجمل من ظاهره.

ويؤكد العقاد أن الصوفى المتشرع لا ينقض الشريعة أبداً بل يتمها ويكشف ما استتر من حكمها وأسرارها، بل يمكن أن يظهر ما خفى من أسباب ظواهرها كما فعل الخضر مع موسى (عليهما السلام)، وقد كان أقطاب الصوفية يقيمون الفرائض ويصومون ويصلون ويعطون الصدقات ويحجون بيت الله ويجاهدون فى سبيل الله ضد الطغاة والظالمين، وليس من الإنصاف أن نحمل على التصوف أوزار الأدعياء واللصقاء الذين يندسون فى صفوفه جهلاً أو نفاقاً أو فضولاً، ولكن التصوف على حقيقته الكاملة هو حرية الضمير فى الإيمان بالله على الحب والمعرفة؛ ولكن أناساً من أبناء العصر الحاضر يحسبون أن الصوفية ماهى إلا تراث قديم مهجور!.. ولا يعلم أن رياضة النفس ضرورة لازمة كرياضة الجسد ولا يستطيع أن يستغنى الإنسان عنها يوماً واحداً.

ثم يختم العقاد متحدثاً عن حجم التصوف فى الدين، فيرى أن الإسلام قد وضع التصوف موضعه الذى يصلح به ويُصلح من يريده، فليس هو واجب وليس بممنوع، ولكنه ملكة نفسية موجودة فى بعض الطبائع، والإسلام يجيزه بالقدر المعلوم الذى لا إفراط فيه ولا رهبانية، ولا يجلب الضرر لسالكه أبداً.

أعود فأقول إن المصريين بحاجة لأن تنتشر أفكار من هذه لتقف سداً منيعاً أمام الفكر التكفيرى والتجزيئى الذى يدمر الأوطان ويخلط بين قداسة الدين وجاه الدنيا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التصوف العقلانى التصوف العقلانى



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 05:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

نشاطات واعدة تسيطر عليك خلال الشهر

GMT 21:22 2016 السبت ,30 تموز / يوليو

فوائد الكرفس

GMT 17:35 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

حمام " الصالحين " يتمتع بخدمات صحية للمرضى في الجزائر

GMT 01:52 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

سُلاف فواخرجي توضح أسباب انسحابها من "باب الحارة"
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen