آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

من المسؤول عن حرب الشائعات؟

اليمن اليوم-

من المسؤول عن حرب الشائعات

بقلم : عريب الرنتاوي

نصرف جهوداً مضنية في دحض «الشائعات» وتفنيدها، ونقضي أياما وساعات في البحث عن مصادرها ومروجيها، ونتفق ونفترق في البحث عن دوافع هؤلاء والأسباب التي حدت بهم لفعل ما فعلوا، ولا نبقي كلمة نابية أو اتهاما في قاموسنا السياسي، دون أن نستلها أو أن نشهره في وصف فساد نوايا «المندسين» وبؤس أهدافهم، بل وفي نزع أي صفة محترمة عنهم، قبل أن ننتهي في كل تصريح أو مقال، إلى إطلاق التأكيدات، بإن مرامي هذه «الفئة القليلة» أو «الفئة المندسة»، لن تنطلي على أحد، ولن تمر على شعبنا.

لو كانت «الشائعات» لا تؤثر على سلامة جبهتنا الداخلية وصلابة موقفنا وقوة تماسكنا، فلماذا نبدي كل هذا القلق في الرد عليها وتفنيدها واتهام مروجيها ... لماذا نصرف كل هذا الوقت والجهد والحبر وساعات البث، في التصدي لها وتقطيع رؤوسها ودوابرها؟

الأسبوعان الأخيران، وفّرا مادة دسمة لما نريد قوله، لم تبق صحيفة أو كاتب أو موقع الكتروني، دون أن يدلي بدوله في هذا المضمار، وبأقدار متفاوتة من الحماسة، وتنوعت الكتابات وتعددت الأدوات، بعضهم شق كلماته من صخر، وبعضهم اختطه من ماء وتراب، بعضهم عاد لبطون كتب التراث والدين، وبعضهم الآخر، ذهب في دهاليز الحداثة والدولة المدنية ... تعددت الطرق، و»خط النهاية» واحد: الجميع في حالة قلق واستنفار، وجلّنا انبرى ذائداً ومفنداّ ومتهماً، بيد أن قلة «قليلة» منّا، نطقت ببعض الجمل المفيدة.

مع أن الأمر كان يمكن أن ينقضي بجهد أقل، ومن دون أن يتسبب بكل هذا الصدع والصداع ... كان بمقدور كبار المسؤولين من بيننا، «علية القوم»، أن يخرجوا علينا برواية رسمية صلبة، تملأ الفراغ في جملنا المتلعثمة، وعباراتنا الناقصة ... كان بمقدور «البضاعة الجيدة» أن تطرد «البضاعة السيئة» بيسر وسهولة ... لكن هؤلاء «الكبار» آثروا الصمت والانزواء، فحلت الشائعة محل الخبر، والتقديرات البائسة والظلامية، محل «التحليل السياسي»، والأكاذيب محل الحقائق.

المجتمع كما الطبيعة، يكره الفراغ ... وعندما يُترك الناس للفراغ، تأتي الشائعة بكل عناصر التشويق والإثارة التي تستبطنها لملئه، هذه سنة الحياة، وليس علينا أن نصاب بالدهشة، أو أن تأخذنا المفاجأة، حين يحدث أمرٌ كهذا ... وكم من مرة مررنا فيها بأوضاع مشابهة، وكانت «الخلاصة» بعد طول تأخير، وأحياناً بعد فوات الأوان: أننا لا يجب أن نترك الناس نهباً للشائعة والفراغ، ولكننا نعاود فعل الشيء ذاته مرات ومرات، وكأن أحداً لم يتعلم الدرس أبداً.

اعترف أن الأمر كان مختلفاً هذه المرة ... الشائعات، طالت الطبقة السياسية والاقتصادية بكل مفرداتها تقريباً، والأرقام التي جرى تداولها تفوق الناتج المحلي الإجمالي ... وبلغ الأمر ذروة خطيرة وغير مسبوقة، حين طُرح السؤال: «أين الملك»، وهو السؤال الذي صدر مانشيتاً على صدر صفحات بعض الصحف والمواقع، وتناولته المقالات والتعليقات بأشكال مختلفة، ونسجت عليه وحوله، مختلف التقديرات والتكهنات، المشتقة جميعها من وحي «نظرية المؤامرة»، فزاد الأمر تعقيداً والمشهد غموضاً، بدل أن يبدد مناخات الالتباس ويقدم إجابات على ما يبدو في خلد الناس من أسئلة وتساؤلات.

هذه المرة بدا الأمر أكثر تعقيداً، فثمة قيود وضوابط تحيط بالأداء الرسمي، بكل مواقعه حين يتصل الأمر بأخبار الملك، مقابل حالة انفلات، لا كابح لها، تعيشها وسائط التواصل الاجتماعي ... طُردت الرواية الرسمية، وحلت محلها التقديرات والتحليلات الأقرب لـ»الفانتازيا»، منها إلى «التحليل السياسي» أو «تقدير الموقف».

لا أشاطر الزملاء الذين ذهبوا إلى إطلاق الاتهام والتهديد والوعيد، ما أقدموا عليه ... ولا ألقي باللائمة على المواطن أو «المتلقي» الذي جنح لتصديق ما يحيط به من طوفان المعلومات، بعضها صحيح وأغلبه كاذب ومفبرك ... إن كان لا بد من إلقاء اللائمة على أحد، فهم «كبار المسؤولين» الذين ما أن أدركهم الصباح حتى سكتوا عن الكلام المباح، وتلكم عادتهم على أية حالة، ولا حاجة لهم لـ»شرائها» كما يقول المثل الشعبي الأردني.

نتحدث كثيراً عن «الشفافية»، ونفعل نقيضها عندما تشتد الحاجة إليها ... نقدم رواية ناقصة أو «ابتدائية/أولية» ثم نحجم عن الظهور من جديد، مع أن فصول الحدث كما في مصنع التبغ، تتوالى فصولاً، وثمة من يريد متابعة ومواكبة ... هنا، لا ينفع القول، إن القضية قيد التحقيق أو في عهدة القضاء، حتى نريح أنفسنا ونستريح ... حتى في ظروف كهذه، علينا أن نختار بين أن نترك الرأي العام نهباً للشائعات أو أن نجد طريقة لتغذيته بالمعلومات من مصادرها، وبطريقة لا تخلّ بالتحقيق ولا تعتدي على صلاحيات القضاء.

ثم أن ما طُرح في سياق النقاش خلال الأيام الفائتة، ليس كله شائعات مغرضة وأقاويل هدّامة ... بعضهم اجتهد في تعويض غياب المعلومة بالتحليل، ومن بين وظائف التحليل السياسي، كما هو معلوم، «ملء فراغ المعلومات» واستكمال ما نقص منها ... بعض ما طرح، حاول أن يبني رواية، في غياب الرواية الرسمية، بالاستناد إلى مصادر أخرى، غير أردنية، للمعلومات ... تلكم طبيعة الأشياء، وتلكم وظيفة «الكائنات السياسية» على أية حال.

حق الحصول على المعلومات، ما زال «أنشودة» نرددها بين الحين والآخر، لكن في التطبيق العملي، يبدو هذا الحق معطلاً، ولا وسيلة لتفعيله أو تمليكه أقداماً يسير عليها .... وإن كان ثمة من «درس» نتعلمه»، فيمكن اختصاره بكلمة واحدة: «الشفافية»، بعد أن تأكد لنا أن كلفة غيابها أغلى بكثير من كلفة اعتمادها وتفعيلها، فهل نتعظ؟.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من المسؤول عن حرب الشائعات من المسؤول عن حرب الشائعات



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen