آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

أمور غير مفهومة في بريطانيا

اليمن اليوم-

أمور غير مفهومة في بريطانيا

بقلم/ خيرالله خيرالله

هناك أمور غير مفهومة تجري في بريطانيا من بينها العمليات الإرهابية الأخيرة وطريقة التعاطي معها. لم يعد مفهوما كيف تخرجها مجرد إشاعات من نوع أن 'المهاجرين سيجتاحون البلد' من الاتحاد الأوروبي.

خسرت تيريزا ماي الانتخابات، على الرغم من أن المسرح كان جاهزا لانتصار كاسح يسمح لها بدخول التاريخ من أبوابه الواسعة كثاني امرأة، بعد مارغريت تاتشر، تلعب دورا في انتشال بريطانيا من حال مزرية وجدت نفسها فيها.

لن تعني الخسارة أنها لن تشكل الحكومة. فعلت ذلك على الرغم من أنّ حزبها لم يستطع الحصول على أكثرية تسمح له باحتكار كل المقاعد الوزارية. احتاجت ماي إلى النواب العشرة للحزب الديمقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية كي تضمن أكثرية برلمانية بعدما حصل حزب المحافظين على 318 مقعدا، بينما المطلوب هو 326 مقعدا.

في كلّ الأحوال، تفادت بريطانيا كارثة حقيقية عندما فشل زعيم حزب العمال جيريمي كوربن في جعل حزبه يتقدم على المحافظين بعدما قلّص الفارق إلى حد كبير في الأسابيع الستة الأخيرة. ليس كوربن سوى يساري متطرّف يتقن فنّ المزايدات وإطلاق الشعارات والوعود الفارغة التي جذبت الشباب البريطاني. لم يكن معروفا كيف كان كوربن سيغطي الإنفاق على مشاريع معيّنة وعد بها المواطنين العاديين، خصوصا الشباب.

كان ردّ فعل الأسواق سلبيا، إلى حدّ ما، على نتائج الانتخابات. هبطت العملة (الجنيه الإسترليني) قليلا، لكن انتصار حزب العمال كان سيؤدي إلى هبوط حاد للجنيه وإلى بداية هرب الرساميل والاستثمارات الأجنبية، استكمالا لما حصل بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) في مثل هذه الأيّام من العام الماضي.

ما الذي جعل ماي تخسر رهانها؟ لم يكن إقبال الشباب على التصويت بكثافة لحزب العمال السبب الوحيد الذي قلّص الفارق مع المحافظين. هناك أيضا شخصية رئيسة الوزراء البريطانية نفسها. فتيريزا ماي تتصرف بطريقة متعالية وتضع نفسها فوق السياسيين الآخرين. اتكلت على حال الانهيار التي كان يعاني منها العمال عندما أعلنت عن إجراء الانتخابات المبكرة وكي ترفض مناظرة تلفزيونية مباشرة مع كوبرن. أرسلت من يمثلها إلى تلك المناظرة ما أتاح لكوربن الخروج منتصرا كون ممثلة ماي (وزيرة الداخلية في حكومتها) لم تكن في مستوى سياسي قديم يحسن المراوغة والمناورة والتظاهر بأنه يدعم الطبقات الفقيرة وأنه قادر على تلبية مطالب الشباب.

عندما أعلنت ماي في منتصف نيسان-أبريل الماضي عن إجراء انتخابات مبكرة في الثامن من الشهر الجاري، كان هدفها تكريس زعامتها لحزب المحافظين. كان هناك فارق يزيد على عشرين نقطة بين حزبها وحزب العمّال الذي خسر في أحد الانتخابات الفرعية مقعدا كان يحتفظ به منذ عقود عدّة. في النهاية، لم تصل وزيرة الداخلية في حكومة ديفيد كاميرون إلى موقع رئيس الوزراء إلا بسب استقالة الأخير الذي أراد البقاء منسجما مع نفسه إثر نتيجة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

فضلا عن ذلك، كانت ماي تراهن على أنّ تمتع حزبها بأكثرية كبيرة في مجلس العموم سيجعلها قادرة على الدخول في مفاوضات بريكسيت مع الأوروبيين من موقع قوّة. كانت النتيجة أن عدد المقاعد التي للمحافظين في مجلس العموم تراجع، فيما زاد عدد مقاعد حزب العمّال. دخلت ماي عمليا لعبة لا تتقنها ولا تعرف أصولها. تبيّن أنه ينقصها الكثير مما كانت تتمتّع به مارغريت تاتشر التي كانت خطيبا مفوّها وشخصية تعرف كيف التعاطي مع الناس وإسكات خصومها وإحراجهم في أي مناظرة تلفزيونية أو نقاش في مجلس العموم.

لم تحسن ماي تقليد تاتشر، بل لم تحسن حتّى أن تحقق نتيجة أفضل من تلك التي حققها كاميرون قبل عامين، علما أن سلفها كان سياسيا فاشلا على كلّ صعيد، خصوصا عندما أوصل نفسه إلى فخ نصبه له اليمين المتطرّف الذي يريد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لن تتمكن تيريزا ماي من دخول المفاوضات مع شركائها الأوروبيين السابقين من موقع قوّة. ستبدأ المفاوضات قريبا، ولكن ليس استنادا إلى حسابات رئيسة الوزراء البريطانية ووفق ما ستطرحه من شروط. هذا، على الأقل، ما يؤكّده المسؤولون الأوروبيون الذين يجمعون على أن بريطانيا ستكون خارج الاتحاد الأوروبي في غضون عامين.

الثابت أن تيريزا ماي ستحاول، قدر الإمكان، الحد من الثمن الذي ستدفعه بريطانيا بسبب استفتاء بريكسيت. ستكتشف أنّ ما كانت تحلم به لن يتحقّق، خصوصا أن الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب لا تفكّر سوى بمصالحها. كان لديها أمل بتعويض خسائر الخروج من الاتحاد الأوروبي بعلاقات خاصة أكثر من متميّزة مع إدارة أميركية جديدة حرص رئيسها على أن تكون تيريزا ماي ضيفه الرسمي الأول في البيت الأبيض. تبيّن مع مرور الوقت أن ترامب ليس مهتمّا كثيرا بالحليف البريطاني وأنّ أميركا لديها أجندة مختلفة مرتبطة بمصالحها أولا وأخيرا.

تدخل بريطانيا مرحلة صعبة لم يستطع سياسيوها التأقلم معها في وقت استطاعت فرنسا التقاط أنفاسها والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة بعد انتصار إيمانويل ماكرون على اليمينية مارين لوبن.

ما كشفته الانتخابات الرئاسية الفرنسية أنّ البلد قادر على مباشرة إصلاحات سياسية في العمق بدءا بإيصال رجل من نوع ماكرون إلى موقع رئيس الجمهورية. تكمن أهمية ماكرون، الذي كان إلى ما قبل فترة قصيرة اشتراكيا، في أنّه تجاوز صيغة اليمين واليسار في عالم تتغيّر فيه كل الأصول والقواعد التي تتحكم بالحياة السياسية بسرعة كبيرة. من كان يصدّق أن دونالد ترامب سيصبح رئيسا لأميركا وأن يهزم كلّ تلك الشخصيات التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري، الذي لا ينتمي إليه أصلا، فضلا عن هيلاري كلينتون؟

أعادت تيريزا ماي تشكيل الحكومة البريطانية. احتفظت بالشخصيات البارزة التي كانت في حكومتها السابقة بدءا بوزير الخارجية بوريس جونسون ووزير المال فيليب هاموند ووزيرة الداخلية آمبر رود ووزير الدفاع مايكل فالون، إضافة إلى الوزير المكلّف تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيس. حسنا، ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن الانتخابات الأخيرة كشفت أن هناك أزمة عميقة يعاني منها بلد صوت فيه المستفيدون من الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي مع الخروج منه. كذلك، استطاع، بعد سنة من ذلك، سياسي ينتمي إلى يسار حزب العمّال إعادة الحياة إلى حزب كان على زعيمه توني بلير أن يغيّر اسمه إلى حزب “العمّال الجديد” كي يستطيع الفوز في انتخابات العام 1997 بعد سنوات طويلة من سيطرة المحافظين على الحياة السياسية في المملكة المتحدة.

لا يمكن لبريطانيا إلا أن تتغيّر. هناك أمور غير مفهومة تجري في المملكة، من بينها العمليات الإرهابية الأخيرة وطريقة التعاطي معها. لم يعد مفهوما أيضا كيف تخرجها مجرّد إشاعات من نوع أن “المهاجرين سيجتاحون البلد” من الاتحاد الأوروبي وأن تكون تيريزا ماي في وضع يسمح لها باكتساح حزب العمال وتدميره نهائيا ثم يحل موعد الانتخابات بعد ستة أسابيع وتجد نفسها في منافسة حادة مع شخص يشكل خطرا عاما على اقتصاد البلد.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمور غير مفهومة في بريطانيا أمور غير مفهومة في بريطانيا



GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 13:52 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما وراء قرار شرم!

GMT 09:48 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان الذي أفهمه!

GMT 04:37 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

عيون وآذان (المأساة في سورية مستمرة)
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 08:30 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

سوبارو تكشف عن سيارة جبارة للطرق الوعرة

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 14:59 2016 الجمعة ,19 آب / أغسطس

طرق التعامل مع الزوج المهمل
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen