كوفى عنان

رحل عن عالمنا اليوم كوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الحائز على جائزة نوبل للسلام 2001، حيث وافته المنية بعد فترة قصيرة من المرض، وفى هذا السياق، ننشر كلمة كوفى عنان، التى ألقاها خلال حفل تسلمه جائزة نوبل للسلام، والتى أكد خلالها على معانى وقيم أساسية لا غنى للعالم عنها.

اليوم، فى أفغانستان، ستولد فتاة. سوف تمسكها والدتها وتطعمها وتريحها وتهتم بها - مثلما تفعل أى أم فى أى مكان فى العالم. فى هذه الأعمال الإنسانية الأكثر أساسية، لا تعرف الإنسانية أى انقسامات. ولكن لكى تولد فتاة فى أفغانستان اليوم، فإنها ستعيش ظروفا يعتبرها الكثيرون منا فى هذه القاعة غير إنسانية.

أنا أتحدث عن فتاة فى أفغانستان، لكننى قد ذكرت على نحو جيد طفلاً أو بنتاً فى سيراليون. لا أحد اليوم غير مدرك لهذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء فى العالم. لا يستطيع أحد اليوم أن يدعى أنه جاهل بالتكلفة التى يفرضها هذا الانقسام على الفقراء والمحرومين الذين يستحقون الكرامة الإنسانية والحريات الأساسية والأمن والغذاء والتعليم أكثر من أى منا. لكن التكلفة لا يتحملها أحد بمفرده. فى نهاية المطاف، يتحملها جميعنا - الشمال والجنوب، الأغنياء والفقراء، رجال ونساء من جميع الأعراق والأديان.

إن الحدود الحقيقية اليوم ليست بين الدول، بل بين الأقوياء والضعفاء. واليوم، لا تستطيع أى جدران فصل الأزمات الإنسانية أو حقوق الإنسان فى جزء من العالم عن أزمات الأمن القومى فى منطقة أخرى.

يخبرنا العلماء أن عالم الطبيعة صغير ومترابط إلى درجة أن فراشة ترفرف بجناحيها فى غابات الأمازون يمكن أن تولد عاصفة عنيفة على الجانب الآخر من الأرض. يُعرف هذا المبدأ باسم "تأثير الفراشة". اليوم، ندرك، ربما أكثر من أى وقت مضى، أن عالم النشاط البشرى له "تأثير الفراشة" الخاص به - للأفضل أو للأسوأ.

السيدات والسادة،

دخلنا الألفية الثالثة من خلال بوابة النار. إذا كان اليوم، بعد رعب 11 سبتمبر، فإننا نرى بشكل أفضل، أن البشرية غير قابلة للتجزئة. التهديدات الجديدة لا تفرق بين الأجناس والأمم أو المناطق. لقد دخل انعدام الأمن الجديد كل عقل، بغض النظر عن الثروة أو الوضع. إن إدراك أعمق للسندات التى تربط بيننا جميعاً - فى الألم كما هو الحال فى الرخاء - قد استحوذ على الصغار وكبار السن.

ربما كان القرن العشرون الأكثر دموية فى تاريخ البشرية، دمرته صراعات لا حصر لها، ومعاناة لا توصف، وجرائم لا يمكن تصورها. مرة تلو الأخرى، تسببت مجموعة أو أمة فى عنف شديد على بلد آخر، غالباً مدفوعاً بالكراهية والشعور اللاعقلانى، أو غطرسة متعطشة وعطش للسلطة والموارد. رداً على هذه الكوارث، اجتمع قادة العالم فى منتصف القرن لتوحيد الأمم كما لم يحدث من قبل.

تم إنشاء منتدى الأمم المتحدة حيث يمكن لجميع الدول توحيد الجهود لتأكيد كرامة وقيمة كل شخص، وتأمين السلام والتنمية لجميع الشعوب. وهنا يمكن للدول أن تتوحد من أجل تعزيز حكم القانون، والاعتراف باحتياجات الفقراء ومعالجتها، والحد من وحشية الإنسان والجشع، والحفاظ على موارد وجمال الطبيعة، والحفاظ على المساواة فى الحقوق بين الرجال والنساء، وتوفير الأمن للمستقبل. أجيال.

وهكذا، فإننا نرث منذ القرن العشرين القوة السياسية، فضلاً عن القوة العلمية والتكنولوجية، التى - إذا كانت لدينا الإرادة لاستخدامها فقط - تمنحنا الفرصة لتخطى الفقر والجهل والمرض.

فى القرن الحادى والعشرين، أعتقد أن مهمة الأمم المتحدة سوف يتم تحديدها من خلال وعى جديد أكثر عمقا بقدسية وكرامة كل حياة بشرية، بغض النظر عن العرق أو الدين. وهذا يتطلب منا النظر إلى ما وراء إطار الدول، وتحت سطح الأمم أو المجتمعات. يجب أن نركز، كما لم يحدث من قبل، على تحسين ظروف الأفراد والنساء الذين يمنحون الدولة ثروتها وشخصيتها. يجب أن نبدأ بالفتاة الأفغانية الشابة، مدركين أن إنقاذ حياة واحدة هو إنقاذ البشرية نفسها.

على مدار السنوات الخمس الماضية، تذكرت أن ميثاق الأمم المتحدة يبدأ بالكلمات التالية: "نحن الشعوب". ما لا يُعترف به دائمًا هو أن "نحن الشعوب" مكونة من أفراد تدعى إدانتهم لأصولهم الأساسية. غالباً ما يتم التضحية بالحقوق فى المصالح المفترضة للدولة أو الأمة.

تبدأ الإبادة الجماعية بقتل رجل واحد - ليس بسبب ما فعله، ولكن بسبب هويته. تبدأ حملة "التطهير العرقى" بإدارة جار واحد آخر. يبدأ الفقر عندما يحرم طفل واحد من حقه الأساسى فى التعليم. ما يبدأ بالفشل فى الحفاظ على كرامة حياة واحدة، غالباً ما ينتهى بكارثة لأمم بأكملها.

فى هذا القرن الجديد، يجب أن نبدأ من الفهم بأن السلام لا يقتصر على الدول أو الشعوب، بل على كل دولة