آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

سميرة فرجي شاعرة تسحر القلوب وتلون الألوان

اليمن اليوم-

سميرة فرجي شاعرة تسحر القلوب وتلون الألوان

الشاعرة الملهمة سميرة فرجي
بقلم - عبد الولي الشميري

الحديث عن شعر الشاعرة الملهمة سميرة فرجي متنوع، والتقييم يختلف من قصيدة إلى أخرى، إنها في صدقها وجمال تعابيرها ذبيحة بين عناد الكتمان وشموخ الاعتزاز بالذات، ووهن تجلد الأنثى عندما تبحر بعيدة عن الشاطئ، من مرفأ العاطفة عند اشتعال اللهب بوقود الوجدان، وقد حاولت أن أعبر مسرعا بشواطئها الخلابة في قصائدها المبثوثة في تضاعيف ديوانها "مواويل الشجن"، اكتظ بشعرية متنوعة ومتعددة ومتموجة تحفر على المقاربة الموضوعية المتأنية. غير أني اخترت الإبحار في نص واحد شغل بالي وفُتِنتُ بجماله وعذوبته ورقته، واستوطن حشاشة قلبي. النص جمع بين شجن الروح، وتدفق العاطفة، وثورة الحب، وغطرسة الكبرياء، وذل الاعتراف بالندم، وضعف الأنثى، وسلطان العشق. هي القصيدة التي رفعت فيها الشاعرة سميرة الحجب عن نفسها وعن موهبتها وعن عاطفتها وعن قدرتها التعبيرية، وعن حب القلب وحربه، ورفعت فيها راية الاعتراف بعناد الأنثى، وتقدمت نحو الحبيب بسرعة الريح دون أن تشعر أو تعترف بأنها تقدمت خطوة واحدة، لأن الشوق والحب يفقدان الذكر والأنثى على السواء الشعور بالمكان الذي يقفان فيه. لكن الصورة الجمالية في هذه القصيدة كسرت كل حواجز الشقاق، وأذابت جليد البعد، وأشعلت مشاعر دافئة غزيرة التدفق بالرغبة الجامحة صوب المصالحة. لقد أصابتني بحالة لا توصف، حيث شعرت بنوبة غيظ ورعشة غبطة، وبعض غيرة، من هذا النص الساحر الرقيق المعبر عن المشاعر الصادقة الجياشة التي قلما تعترف بها امرأة لرجل في حالة كهذه، حالة ضعف، وندم، واعتراف واستعصاء.

لن أخطو الخطوة الأولى تقول الشاعرة:

 يا آسر القلب، هل جاءتك أخباري

الوجد بعثر مثل الريح أفكاري

 طال الجفا وكلانا اليوم خافقه

يستل قسوته من صلب أحجار

 أما علمت بأن الشوق يجذبني

إلى ديارك سرا مثل تيار

لكنه الكبر مثل السوط يجلدني

جلدا ويسبق خطوي رغم إصراري

ومازالت أحيا عذابي فيك شامخة

أذوب عشقا وأطفي النار بالنار

  وكعادة المحبين في حالة البعد والجفوة يظل كل منهما يتابع بصمت حال وأخبار الحبيب الآخر، فالشاعرة سميرة  تتساءل مع من أسر قلبها: هل جاءتك أخباري؟

سؤال يهز القلب هزا، وتأتي ذروة التصوير الجاذب بالاعتراف والضعف العاطفي فتتهاوى مع الدمع: الوجد بعثر مثل الريح أفكاري!  إنه اعتراف واضح بنفاد الصبر، وتقرير بالشعور المر لطول الجفوة والقسوة، إنها تعيش تحت سياط لهيب الشوق والحنين الباكي، إلى درجة الجذب!! إنها حالة تهد صخور الجفوة والشقاق، وتلئم شروخ القلب، وتسحق جبال العناد. ولا تتركنا الشاعرة سميرة عند هذا الحد،  لكنها تبعث رسالة الطمأنينة لتؤكد أنها باقية على الوفاء في عذاب الحب، وتأتي الصورة الأكثر خلابة: "مازالت أحيا عذاب الحب"، وتردفها بذكر الشموخ الأنثوي، ثم لا تقوى إلا أن تعترف بالذوبان في عشقه. ثم أقفلت الرحلة الأولى من مقطوعتها الساحرة التي أزعم بأنها لؤلؤة تاج قصائدها الغزلية الرومانسية عندما ختمتها بخاتمة مستفزة في صورة بديعة خالبة جديدة " أذوب شوقا، وأطفي النار بالنار"

 ثم تنتقل في التفاتة الندم على اعترافها لتلتقط جانب الاستمرار بين التصبر والعناد، والكبر، والحزن والاعتراف  والمناجاة، وتمتطي فن البديع بشكل لافت غير متكلف ولا منحول، فقد ركبت المشاكلة اللفظية وطباقات الجناس البديعية اللفظية والمعنوية، دون شعور منها ، ولا تكلف فتقول:

مازالت أقبل أشواقي وأرفضها

كأنني قشة في كف إعصار

 ما زلت أنسج أحلامي وأنقضها

وأوهم النفس في حبي بأعذاري

 أبيت أكتم عشقا في العيون بدا

 كالبدر ما بين إضمار وإظهار

مازالت أقبل أشواقي، وأرفضها

مازالت أنسج أحلامي وأنقضها،

 فما أحلى وما ألذ الطباق بين المتجانسين من الأفعال في ذات الموضوع. وذات السياق، وأي جمال هذا الذي أضفته الشاعرة سميرة بين أقبل، وأرفض. وأنسج وأنقض.. أي نسج هنا، وأي نقض هناك، حيث جعلت من المعنوي محسوسا ومن الأحلام المعنوية ذوات، وفي نفس اللوعة والشجون، والمضمون، تقول :

 ما بين إضمار وإظهار

 وأسأل الروح والأحزان تعصرني

  إلى متى سيظل الكبر قهاري؟  

إلى متى سيظل الدمع منتحرا

ويصلب القلب بين الحب والعا ر

وتحول الأحزان تارة مفعول وتارة فاعل، دون تعمد ولا صناعة، انها الموهبة الفطرية من  الله ، كما تحول بين يديها دمع الحزن إلى ذات وهي مستمرة في طريق الانتحار، وينفصل القلب عن صدرها وتصعد به المشنقة وترفعه للصلب، ودماء الحب تتصبب منه، كل هذا حتى لا يكون عارا عليها أن تخطو الخطوة الأولى إلى الحبيب، فما أشد عناد هذه الأنثى وكبريائها عندما تطلب ضمنيا من حبيبها الخطوة الأولى اليها ولا يبادر بها.

 لن أخطو الخطوة الأولى إليك ولو

 ختمت عمري أقاسي بين أسوار

 لن أطلب الوصل حتى لو بقيت هنا

 أسيرة لهوى صعب وجبار

لن أرفع الراية البيضاء خاضعة

ولو محوت بكف الثأر أقداري

 لا خطوة أولى، ولو بقيت سجينة وراء الأسوار،

 لن تطلب الوصل رغم كبدها المتفتت وفؤادها المشتعل، لن ترفع راية الاستسلام ولو كلفها خسارة القدر الجميل، يا لك أيتها الشاعرة الموهوبة الناعمة الرقيقة من امرأة معاندة مستعصية جبارة.

 ويا ويح قلبك يا أخي يا رجل يا آسر قلبها من معاند بطئ الخطو، متمرد على النداء متلذذ بهذا القدر من العذاب، لقد أشفقت عليكما معا، وغضبي عليكما يشتد كلما زاد التشدد والبطء والكبرياء، فليس عندي ولا في مذهبي بين الحبيبين غرور ولا تجبر، ولا كبرياء. وهذه مدرستي، لكن المعرفة الفطرية بأبجديات سورة العشق، وذوبان الحبيب في حبيبه وانكشاف كل الحواجز، قد منحتنا فرصة إحراق وقود الموهبة لدى الشاعرة سميرة فرجي فتدفقت بغرر المعاني والصور والبديع، وكشفت عن شاعرة مطبوعة، وتتوالى الاعترافات تلو الأخرى وتزداد معها جزالة اللفظ، وعمق المعنى، وجمالية الصور، و تتفاقم في تضاعيفها ثورة الإصرار، والعتاب المستعطف، في ضعف نفسية المرأة  المقهورة، بين الاعتراف والمكابرة، روح تستبد بها لواعج الشوق ولهب المشاعر.

 ما ذا يفيدك إبحاري أنا، وأنا

 في العشق غارقة من دون بحار؟

إني أكابد هما لست تعرفه

 ولست تشهده في عز أسحاري

 وتنتقل بخيالها الحزين المحبط إلى مرحلة افتراضية الموت من الحزن، من العشق، من قهر الكبرياء، وتناشده أن لا يصدق إنكارها ولو ماتت من عشقه.

 أي عناد جبار فيك يا سيدتي،

 فإن أتوك وقالوا مت عاشقة

فلا تصدق إذا أنكرت إنكاري

 فاكتم بريك هذا السر إن به

ذلي وعزك وانشر كل أسراري

 ولن أمانع يا جبار ثانية

إن كنت تنوي بهذا الصمت إقباري

يحلو لي الموت لو أعطيتني قلما

من تحت لحدي لأنهي فيك أشعاري

وما تزال وهي مقتولة بالعشق مدفونة في لحد الغياب الكبير، تناشده البقاء على غرورها بعدم إفشاء سر سبب موتها، ثم تسمح له بنشر كل ما شاء .

فيالك من شاعرة عنيدة، وامرأة مكابرة، وطالما يحلو لك الموت إذا أعطاك قلما لتكتبي فيه من تحت اللحد بقية أشعارك، فأنت تجاوزت مدى لم يبلغه قيس وليلى، وكثير، وعزة، وقهرت العاشقين والشعراء الغزليين من بعدك. واعترف أنك بهذه القصيدة بلغت عرش الأميرة المتوجة للشعر الفصيح، الموزون المقفى البليغ السهل الممتنع، فهنيئا لك موهبة الله وأبارك تكريمك الذي أعتبره تكريما لي وللشعراء جميعا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سميرة فرجي شاعرة تسحر القلوب وتلون الألوان سميرة فرجي شاعرة تسحر القلوب وتلون الألوان



GMT 14:42 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

”أعطنى مسرحًا أُعطِكَ شعبًا مثقفًا”

GMT 14:13 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

العمق الثقافي اللبناني

GMT 17:39 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 19:04 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 22:15 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 14:52 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

GMT 06:52 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

​عبدالرحمن الأبنودي شاعر الغلابة

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 23:44 2016 الأحد ,29 أيار / مايو

كريم طبيعي وبسيط يزيل رائحة العرق بسهولة

GMT 01:36 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

جامعات يابانية تستعرض برامجها الدراسية في "نجاح 2016"

GMT 14:51 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بدر الشعيبي ينشر صورة طفلته الجديدة على موقع "إنستغرام"

GMT 22:15 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

المؤتمر الوطني يعتمد تشكيل حكومة الوفاق الوطني

GMT 06:57 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 3

GMT 09:22 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مليارات من الجراد تجتاح كينيا

GMT 13:21 2021 الجمعة ,02 تموز / يوليو

السيارات الطائرة ستصبح حقيقة بحلول 2030
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen