آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

رسالة إلى الروس قبل الأسد

اليمن اليوم-

رسالة إلى الروس قبل الأسد

بقلم _ خالد الدخيل

كما كان متوقعاً لم تكن الضربة العسكرية لمواقع النظام السوري أكثر من ذلك: ضربة محدودة في حجمها العسكري، وفي هدفها السياسي. ليس لها هدف سوري أبعد من استهداف البنية التحتية للسلاح الكيماوي للنظام. وليست جزءاً من استراتيجية سياسية تجاه الوضع السوري. لا علاقة مباشرة لها بالشعب السوري وتضحياته. ولا حتى بالرئيس السوري الذي يقال أنه قبيل الضربة ترك القصر الرئاسي إلى قاعدة حميميم الروسية ليحتمي بها.

كما يُلاحظ تتردد كثيراً في الساعات الأخيرة صفة السوري. لكن سورية، بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية، لم تعد أكثر من ساحة للصراع بين الكبار والصغار. كل فعل هناك، وكل خطوة، وكل ضربة لأهداف لا علاقة لغالبيتها بسورية، ولا بمصالح الشعب السوري. حتى الضربة الأخيرة استخدمت سورية كساحة، لكن هدفها هو روسيا وما تفعله في سورية وخارج سورية. هكذا، أرادها الأسد وحلفاؤه الإيرانيون. الشعب يدفع ثمن ذلك من حياته وحقوقه واستقراره، بل ومن دمه. الرئيس الأسد نفسه لم يعد أكثر من حجر شطرنج، أو ورقة تفاوضية تتناقلها أيدي الروس والإيرانيين. الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصفه بالحيوان والطاغية ومجرم الحرب. وكذلك تفعل رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي. لكن كل منهما يبتعد من استهدافه مباشرة. كأن الغرب يتعامل أيضاً مع الأسد كورقة تفاوضية مع الروس. هناك من يحاول حمايته من القتل أو السقوط. لكن لا أحد يعرف كيف سيكون مصيره النهائي.

في مثل هذا المشهد الفانتازي، من الطبيعي أن هدف الضربة العسكرية للدول الثلاث لم يكن تحجيم القدرات العسكرية لنظام الأسد. فهذه القدرات لم تعد عنصراً وازناً في التوازنات التي تتحكم في المشهد السوري. وهي قدرات فشلت في كل حال في حماية الرئيس ونظامه قبل دخول الروس. أيضاً، لم يكن هدف الضربة حماية الشعب السوري من النظام وحلفائه. لو كان هذا هو الهدف، أو أحد الأهداف، لأعلنت الدول الثلاث موقفاً سياسياً واضحاً لوقف نزف الدم السوري بسلاح كيماوي أو سواه، ومن ضرورة مغادرة الميليشيات الأجنبية كشرط لأي حل سياسي للأزمة السورية. ولو كانت مصلحة الشعب السوري من أهداف الضربة لجعلت الدول الثلاث من رحيل الأسد شرطاً آخر للحل السياسي. على عكس كل ذلك تلتزم الدول الثلاث قبل وبعد الضربة بالصمت حيال شكل الحل السياسي وشروطه، أو مصير الأسد.

ينحصر هدف الضربة العسكرية داخل إطار التجاذب الغربي الروسي، وتحديداً الأميركي - الروسي. وهو تجاذب يحاول كل طرف تفادي انزلاقه إلى مواجهة مباشرة. هذا ما قاله الرئيس ترامب، ورئيسة الوزراء تيريزا ماي في خطاب كل منهما لشعبيهما عن الضربة. كانت ماي مباشرة عندما قالت أن الهدف ليس تغيير النظام في سورية. ماذا عن رئيس النظام؟ لم تقل شيئاً عن ذلك. تركت الباب مفتوحاً. ماذا عن قتل السوريين على مدى أكثر من سبع سنوات الآن بأسلحة غير كيماوية؟ التزمت الصمت حيال ذلك أيضاً. ماذا عن وجود الميليشيات الأجنبية في سورية؟ صمت ثالث لا يقل صمماً للآذان.

إذا كان الهدف ليس حماية الشعب السوري من رئيسه، ولا من الحلفاء الأجانب لهذا الرئيس، وليس وقف القتل الجماعي بغير أسلحة كيماوية، وليس إعلان موقف واضح من الميليشيات الأجنبية، فما هو الهدف في هذه الحال؟ هذا ما أجاب عنه دونالد ترامب في خطابه. يقول: «في عام 2013، وعد الرئيس الروسي بوتين وحكومته بأنهما سيضمنان تدمير كل الأسلحة الكيماوية السورية. ومن ثم، فإن هجمات الأسد الكيماوية الأخيرة، وردنا عليها هذا المساء، هما نتيجة مباشرة لفشل روسيا في الوفاء بما وعدت به». بعبارة أخرى، ضربة البارحة العسكرية هي رسالة مباشرة إلى فلاديمير بوتين. فالأخير خدع الأميركيين (بحسب ترامب) في اتفاق تدمير ترسانة السلاح الكيماوي السورية الذي أبرمه مع الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما. لم يكتفِ بوتين بذلك، بل أرسل غازاً ساماً إلى بريطانيا الشهر الماضي لقتل عميل روسي مزدوج. وهو ما يعني أن الرئيس الروسي يتحدى الغرب في شكل سافر ليس فقط في سورية، ولا في أوكرانيا، بل حتى في قلب أوروبا الغربية. وهو ما استدعى أن تكون الضربة - الرسالة جماعية متزامنة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وإلا فحجم الضربة، ومحدودية أهدافها لا يستدعي مشاركة ثلاث دول عظمى، إحداها الدولة الأعظم.

حرصت الدول الثلاث على عدم الاقتراب في ضربتها من المواقع الروسية تفادياً لأي رد فعل روسي. وقد استجابت روسيا لذلك تماماً، إذ لم يتجاوز رد فعل موسكو حدود التنديد اللفظي لما أسمته العدوان الغربي. أما النظام السوري فقد رفع عقيرته بأسلوب بليد في وصفه الضربة بـ «العدوان الثلاثي»، وذلك في محاولة بائسة لاستدعاء ما حصل لمصر عام 1956. مأساة هذا النظام ورئيسه ليست مع التاريخ وحسب، بل مع سورية، ومع نفسه قبل أي شيء آخر. قبل الضربة الأخيرة، هناك الضربات الإسرائيلية لمواقع سورية وإيرانية بين الحين والآخر. الأجواء السورية باتت مستباحة وفق ضوابط تضعها روسيا وليس النظام. وهذا النظام هو المسؤول الأول عما آلت إليه حال سورية. عادت كرة أخرى ساحة لتجاذبات وصراعات إقليمية ودولية لا قبل للنظام، ولا لسورية بها. بدلاً من توظيف الموقع الاستراتيجي لسورية من أجل سورية وأهل سورية، جعل الأسد من ذلك منصة لقوى أجنبية روسية وإيرانية وميليشيات مذهبية. لم يدرك حتى اللحظة أنه بهذا بدد رصيد سورية الاستراتيجي ليصبح رصيداً للآخرين. ومعه، بدد الإرث الذي ائتمنه عليه أبوه. كم كتب عن دور حافظ الأسد في إنقاذ سورية من كونها ساحة للعب الآخرين إلى لاعب في ساحات الآخرين. وكم سيكتب عن دور بشار الأسد الكارثي في النكوص بسورية إلى ما كانت عليه؟ المدهش أن الرئيس السوري لا يزال مع ذلك يسيطر عليه وهْم أنه انتصر على الثورة. لذلك، يقول أنه ليس في حاجة إلى استخدام الكيماوي. ما يعني أنه استخدمه عام 2013 عندما كان على حافة السقوط. أي إن أرواح الناس وحقهم في الحياة ليست معياراً يردعه عن استخدام هذا السلاح، وإنما أطماعه ومصالحه وتحالفاته الأجنبية. لا غرابة وحال الرئيس ونظامه على هذا النحو أن انتهى الأمر بسورية إلى ما انتهت إليه. تقصف بمئات الصواريخ في ليلة واحدة لإيصال رسالة إلى بوتين وليس حتى إلى الأسد!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة إلى الروس قبل الأسد رسالة إلى الروس قبل الأسد



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 22:40 2021 السبت ,17 تموز / يوليو

كيف يتعامل كل برج من الأبراج مع الطلاق

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 19:04 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود السرنجاوي يؤكد حاجة "الزهور" لعموميته وأعضاءه حاليًا

GMT 15:02 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

الجيش يسقط طائرة حوثية مسيرة في محافظة حجة

GMT 05:44 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

النجمة سيرين عبد النور تتحدث عن جنس مولودها الذي تنتظره

GMT 12:55 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أنطوان غريزمان يؤكد شغفه في متابعة كرة السلة الأميركية

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ورشة عمل حول تطوير التعليم العالى في جامعة الفيوم

GMT 16:43 2017 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

إصلاحات جديدة في الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم

GMT 22:06 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الإعلان عن منح دراسية في الجامعات العراقية

GMT 10:24 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

بروسيا دورتموند يفتقد غوتزه أمام ريال مدريد

GMT 16:56 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

البرتغالي مورينيو يحضّر النجم بول بوغبا لمفاجأة تشيلسي

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

العلماء يجدون 7 أنواع جديدة من الضفادع الليلية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen