آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

عذاب النور

اليمن اليوم-

عذاب النور

بقلم - سمير عطا الله

فاز البرتغالي جوزيه ساراماغو بـ«نوبل» العام 1998 على مجموعة أعماله الأدبية، وأشهرها رواية بعنوان «العمى». ويخطر للكثير منا المقارنة بين الرواية وبين كتاب طه حسين الشهير «الأيام». تُرجِمَت «الأيام» إلى لغاتٍ كثيرة، وحظيت لدى الأجانب، خصوصاً الألمان، باهتمامٍ كبيرٍ من النقّاد. ومرة تلو أخرى ألاحظ أن الأجانب تألموا لأيام طه حسين أكثر منا. إحساسهم حيال الألم أعمق من أحاسيسنا. فالكثيرون من المُبصرين كانوا يعيشون حياة مشابهة لحياة «صاحبنا» أو «الفتى»، كما كان يشير طه إلى نفسه وهو يروي الصعوبات التي ولد فيها على حافة قناة كان يعتبرها حدود العالم.
سوف نلاحظ أن الفارق الأساسي بين أدب ساراماغو ورواية طه حسين هو الغنى في التفاصيل. فالتفاصيل قليلة عند عميد الأدب العربي لأنه كان يرى بحواس كثيرة، ليس بينها حاسة البصر. وكان يستعين على كل شيء بعيون الآخرين، خصوصاً تلك الزوجة التي لا يمكن وصفها فقط بأنها شريكة حياة.
كان «العميد» يترك المشهد إلى آخر بسرعة فيؤثّر فيك بالموقف بدل الوصف، وبالمشاعر الداخلية بدل الانطباع. وقد شابهه في ذلك مُبصِر أميركا اللاتينية الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. وكان الشبه الآخر البلاغة الكبرى عند الرجلين. ولعلّ كليهما أراد أن يثبت لعالم المبصرين أنه يملك من اللغة ما لا يملكون. ويخيّل إليَّ أنه لو لم تطغَ البلاغة الشديدة على ملحمة طه حسين، الإنسانية، لتركت أثراً أعمق على رغم عمق الأثر الذي تركته.
إليكم هذا المشهد من طفولة البصير الفذّ: «كان يخاف أشدَّ الخوف أشخاصاً يتمثلها قد وقفت على باب الحجرة فسدّته سدّاً وأخذت تأتي بحركات مختلفة أشبه شيء بحركات المتصوفة في حلقات الذِّكر.
وكان يعتقد أن ليس له حصن من كل هذه الأشباح المخوفة والأصوات المنكرة، إلا أن يلتفَّ في لحافه من الرأس إلى القدم، دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذاً، أو ثغرة، وكان واثقاً أنه إن ترك ثغرة في لحافه فلا بدَّ من أن تمتد منها يد عفريت إلى جسمه فتناله بالغمز والعبث.
لذلك كان يقضي ليله خائفاً مضطرباً إلى حين يغلبه النوم، وما كان يغلبه النوم إلا قليلاً.
كان يستيقظ مبكراً، أو قل: كان يستيقظ في السحر، ويقضي شطراً طويلاً من الليل في هذه الأهوال والأوجال والخوف من العفاريت، حتى إذا وصلت إلى سمعه أصوات النساء يَعُدنَ إلى بيوتهن وقد ملأن جرارهن من القناة وهنَّ يتغنَّين: «الله يا ليل الله..». عرف أن قد بزغ الفجر، وأن قد هبطت العفاريت إلى مستقرّها من الأرض السفلى، فاستحال هو عفريتاً، وأخذ يتحدّث إلى نفسه بصوتٍ عالٍ، ويتغنّى بما حفظ من نشيد الشاعر...».

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عذاب النور عذاب النور



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 12:53 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

«طلاء حيوي» يقاوم التآكل والبقع وأشعة الشمس

GMT 07:34 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الافصاح عن بناء أول مزرعة موجية لتوليد الطاقة في بريطانيا

GMT 13:30 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

أفكار جديدة وبيسطة لديكور ركن الصلاة في المنزل

GMT 17:42 2016 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بيكيه يستفز كريستيانو رونالدو ويؤكد أن "البرغوث" من كوكب آخر

GMT 01:00 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

اتحاد الجمباز في بيروت يعلن جوائز بطولة لبنان للذكور

GMT 08:23 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

المرأة تميل إلى السلوك الودي والاجتماعي عكس الرجال

GMT 03:17 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

حرب شعواء تُضرم بين "سي إن إن" و"فوكس نيوز"

GMT 05:58 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

رشا شربتجي تفصح عن طرق التعذيب في سجون سورية

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen