آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

انعزالية الجزر

اليمن اليوم-

انعزالية الجزر

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

سافرت مرة مع زوجتي إلى جزيرة الأمير إدوارد في كندا. وهي إحدى أجمل الجزر أو البقع الطبيعية في العالم. وكانت لا تزال في السبعينات قليلة السكان، كثيرة الهدوء ومبالغة في العزلة. وعندما ركبنا الباخرة أو العبّارة للوصول إلى الجزيرة، لاحظت أن العيون كلّها على القادمَين الغريبَين. مما يوحي بأن أهل الجزيرة يعرفون بعضهم بعضاً، فرداً فرداً. وبالفعل تقدّم منّي رجل طويل القامة، نحيلها، وقال في شيء من الفظاظة: «ماذا يحملكما إلى الجزيرة». وشرحت بأننا قادمَان لزيارة بعض الأصدقاء، فطلب أسماءهم، وكأنه لا يصدّقنا. وتركنا نشعر بأننا نشكّل غزواً خارجياً خطراً على تلك البقعة من الأرض والمياه.

أدركت يومها بنفسي ما كنت قد قرأت عنه بالكتب عن نفسية أهل الجزر، وخوفهم من الدخلاء ومن كل غريب. ويسود هذا الشعور بالتعصّب حتى ضمن البلد الواحد مثل اليونان أو إندونيسيا. وكانت الجزر البريطانية غرابة الغرابة، إذ خرجت هي إلى العالم تبني إمبراطوريتها في كل مكان تحت الشمس، وبدل أن تخاف على عزلتها، خاف الآخرون من توسّعها. فقد رفعت علمها في كل مكان، وزرعت لغتها في أرجاء الكون، فأصبحت لغة الفكر والأدب والتجارة والعلوم عبر القارات. وعندما ذهب الإنسان إلى الكواكب الأخرى، كانت هي أيضاً لغة الفضاء بعد ريادة روسية مختصرة.

لم تكن الإنجليزية لغة شكسبير وحده، بل شكّلت أيضاً مجد البولندي جوزيف كونراد، والهنغاري آرثر كوستلر، وسلسلة طويلة من عباقرة آيرلندا مثل جورج بيرنارد شو وجيمس جويس ووليم باتلر ييتس. وتحوّلت لندن، بسبب تلك اللغة، إلى المركز العالمي للمسرح والمال والصحافة والفكر السياسي. الآن يعبث رجل واحد بكل ذلك التراث، ويحاول إعادة الجزر الإمبراطورية إلى ما كانت عليه في العصور البدائية. ويصرّ على الخروج من أوروبا في نهاية هذا الشهر من دون أي اتفاق قانوني، يحفظ حقوق الآخرين وحقوق شعبه. لم يحدث في الديمقراطية أن ضُربت في مهدها بمثل هذا الإلحاح وهذه اللجاجة. ومنذ وصوله إلى داوننغ ستريت، ينفرط من حوله الحلفاء والمحازبون يميناً وشمالاً، وبالسرعة التي ينفرطون بها من حول دونالد ترمب.

طبعاً بوريس جونسون ليس وحده في هذا العصف التعسفي بالقيم والتقاليد. هناك من يؤيده كما هناك من يؤيد ترمب. كما هناك من يرفع الراية الانعزالية في كل مكان. لكن هؤلاء جميعاً لا يشكّلون أكثر من أقلّية تعاكس التاريخ والمنطق وتُلحق الضرر بالحاضر والمستقبل. وسواء بقي بوريس جونسون، أو أُرغم على الاستقالة، فإن مرحلته لا تتسخ كثيراً مع تاريخ بلاده.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انعزالية الجزر انعزالية الجزر



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 08:30 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

سوبارو تكشف عن سيارة جبارة للطرق الوعرة

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 14:59 2016 الجمعة ,19 آب / أغسطس

طرق التعامل مع الزوج المهمل

GMT 08:05 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

دراسة تعلن أن الشيخوخة تصيب العقل بعد سن الـ 25

GMT 20:58 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

نجم لبناني يتكفل بحل قضية فنانة عربية في بيروت

GMT 12:48 2019 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"اكسترا" تدخل موسوعة غينيس بعرض مبهر على برج خليفة

GMT 06:57 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

أبرز وأهم عناوين الصحف السعودية الصادرة الإثنين
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen