آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

الحرّاقون

اليمن اليوم-

الحرّاقون

بقلم - سمير عطا الله

خلال الاحتلال النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، أصدر هتلر إلى جنراله في باريس أمراً بإحراق المدينة. تأمّل الجنرال تلك الشوارع والجادات، وقرر أن يعصي أمر القائد، ولو أدى ذلك إلى أن يُحكَمَ بالإعدام. كلّما شاهدت باريس تحترق، أتذكّر أنّ المحتل النازي كان ذات مرة أكثر رأفة بجمال وتاريخ هذه العاصمة، من المتمردين الّذين لا قضية لهم. قبل نصف قرنٍ تماماً، شاهدت طلاب فرنسا يقلبون الأرصفة ويحرقون السيارات ويرشقون المحال بالحجارة. وقد انتهى ما سُمّي يومها «الثورة الطلابية» إلى لا شيء سوى الخراب.

مرّة أخرى باريس تحترق، بلا هدفٍ ولا غاية ولا قضية. مجموعة غريبة من اليمين واليسار وغير المسيسين تمارس عنفاً لا مبرر له. والمحيّر أو الغامض أن الحركة الحالية ليس لها محرّك ظاهر مثل أحداث 1968. وليس لها أيضاً وجهٌ أو وجوهٌ بارزة مثل تلك المرحلة، فلا أدباء مثل جان بول سارتر، ولا ماركسيون مثل آلان كريفين، ولا محرّضون مثل كوهين بنديت. قد يبرز في الأيام المُقبِلة وجهٌ ما أو محاور ما. ولكن حتى الآن ليس مِنَ المعروف مَن هو الطرف الذي على الرئيس إيمانويل ماكرون أن يخاطبه.

ينسى الفرنسيون أن باريس ليست مدينتهم وحدهم. لطالما كانت ملاذ أصحاب الأسماء الكبرى في التاريخ. منها بدأت شهرة ليوناردو ديفينشي، وبيكاسو، وجيمس جويس، وعالمة الفيزياء الشهيرة مدام كوري. ومن مدينة الآداب والفنون هذه حصد الفرنسيون في القرن الماضي جائزة نوبل للآداب 12 مرة، متفوقين بذلك على جميع شعوب العالم. وهؤلاء الشبّان الّذين ينزلون إلى الشوارع غاضبين، ينتمون إلى مؤسسات تعليمية لا مثيل لها في العالم.

اتفق العالم أجمع على أنها «عاصمة الثقافة في العالم»، لكنّ ما تبنيه من شهرة خلال قرون، ومن جمالٍ ومن انفتاح، يدمّره فريق من الحرّاقين في أمسية واحدة. ألم يكن في إمكان هذه النخب الفرنسية أن تقيم المعارضة على الحكومة، من خلال القنوات الإعلامية والمؤسسات والمعاهد والأحزاب، وهي كثيرة؟

يشعر الغرباء بالحرص على جمال المدينة أكثر من هؤلاء المعتدين الّذين يحملون جنسيتها. ففي كل مرحلة يخرج من يلوّث سمعتها ويسيءُ إلى مستقبلها. وتأتي هذه الحرائق الآن في أسوأ اللحظات وأفضل الفرص. فقد كانت باريس تأمل أن تحلَّ محل لندن الخارجة من أوروبا، في اجتذاب الاستثمار والشركات الكبرى والبنوك، مما يساعدها على استعادة شيء من الازدهار الذي كانت تنعم به. لكنّ الحرّاقين، أياً كانوا، يحرقون في طريقهم جسور الأمم نحو الطمأنينة القومية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرّاقون الحرّاقون



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 18:38 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لابورت لاعب بلباو يُفسّر رفضه اللعب لكل من سيتي وبرشلونة

GMT 11:30 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

15 قاعدة في الأناقة تعلمك إياها أمل كلوني

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

البعثة السويسرية تعرض 10 قطع أثرية مهمة في وادي الملوك

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة تونس تقفل تدولات الاربعاء على ارتفاع

GMT 12:37 2021 الثلاثاء ,13 تموز / يوليو

أفكار ديكور تساهم في تجديد الطاقة في مكتب العمل

GMT 06:14 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أفضل عطور الخريف والشتاء

GMT 23:47 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

بابا الفاتيكان يُطلق تطبيقًا رقميًا للصلاة معه

GMT 21:21 2016 الأربعاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

عمر السومة يبيّن أن كريستيانو رونالدو هو الأفضل في العالم

GMT 18:30 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عازف القانون ماجد سرور يخطف أنظار الجمهور في دار الأوبرا
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen