آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

الثورة التونسية وسؤال العام الجديد

اليمن اليوم-

الثورة التونسية وسؤال العام الجديد

بقلم - نيفين مسعد

احتفلت تونس قبل أيام بمرور ثمانى سنوات على اندلاع ثورتها، شد بعض التونسيين الرحال إلى سيدى بوزيد التى مثلت مهدا للثورة وتم التقاط عشرات الصور إلى جوار مجسم البرويطة، ولفظ برويطة فى اللهجة التونسية الدارجة معناه العربة، ولأن الثورة بدأت شرارتها بأن أطاحت شرطية بعربة الخضار التى كان يعمل عليها محمد البوعزيزى فلقد تم صنع مجسّم لهذه العربة فى موقع الحدث. الاحتفال بالعام الجديد جاء على وقع تشكيل حركة السترات الحمراء التى استلهمت النموذج الفرنسى فى الاحتجاج السياسى ورفعت اثنين وعشرين مطلبا اقتصاديا واجتماعيا، بعض هذه المطالب يتقاطع فى جوهره مع المطالب التى تبناها الاتحاد التونسى العام للشغل ونفذ بسببها إضرابا واسعا الشهر الماضي، إلا أن الحركة أرادت أن تحتفظ بمسافة عن الأطر المؤسسية ومنها الاتحاد. فى مواجهة ذلك تكونت حركة السترات الزرقاء وهى حركة تعلن أنها تدافع عن الاستقرار وترفض ممارسة السياسة بواسطة الشارع والاحتجاجات الشعبية. وبحكم الأزمة السياسية الحادة التى تعيشها تونس هذه الأيام سرعان ما تم تصنيف الحركتين السابقتين على أن أولاهما تريد إسقاط حكومة يوسف الشاهد بينما الثانية تتمسك بها، وجرت محاولة ربط السترات الحمراء بحزب نداء تونس والسترات الزرقاء بحزب النهضة.

هكذا تدخل الثورة التونسية عامها الجديد بسؤال كبير وجوهرى حول مستقبل العلاقة بين حزبّى نداء تونس والنهضة، وهى علاقة لم تكن سلسة منذ البداية، إذ تذكرنا أن نداء تونس تشكل فى الأصل ضد النهضة أو ضد مشروع أخونة تونس، لكن المتابع لتطور هذه العلاقة بالذات فى الأسابيع القليلة الماضية يلحظ أنها اتخذت أبعادا جديدة وخطيرة وصولا إلى اتهام حزب النهضة بأنه يوجد لديه جهاز سرى وأن هذا الجهاز مارس التجسس على مؤسسات الدولة ونفذ اغتيالات سياسية بل ودبّر لاغتيال الرئيس التونسى السبسى نفسه فى عام 2013 أى قبل وصوله للرئاسة، وحول هذا الأمر قال السبسى أخيرا و بشكل واضح إن ملف الجهاز السرى أصبح مفضوحا.. العالم أجمع أصبح يتكلم عنه، وأضاف أنه لن يسمح لحركة النهضة بأن تهدده. وكان الغنوشى قد دخل بنفسه على خط الأزمة، وهو قليلا ما يفعل ذلك ، فأصدر حزبه بيانا حمل اسمه واتهم فيه الرئيس بالخروج عن حياديته وأنه تجاوز سلطة القضاء حين استقبل المحامين المدافعين عن حق الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى . ومعلوم أن من هؤلاء المحامين من ذهب خطوة أبعد و اتهم عبد العزيز الدغسنى صهر راشد الغنوشى بأنه يعتبر القائد الفعلى للجهاز.

قبل هذا التطور الأخير كان الغنوشى يفضّل إدارة خلافه مع السبسى بشكل غير مباشر فوقف حزبه مع المنصف المرزوقى فى الجولة الانتخابية الرئاسية الأولي، ووقف ضد سحب الثقة من الحبيب الصيد رئيس الوزراء السابق ثم من يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي، لكن مع جسامة الاتهام الموجه لحزب النهضة بل ولأسرة الغنوشى نفسها لم يكن من الممكن اللجوء للأساليب غير المباشرة. هنا نلاحظ أن الرأى العام التونسى شديد الحساسية لقضية عنف الإسلاميين بسبب تورط بعض شباب النهضة فى الاعتداء على مقر الحزب الحاكم فى حى باب السويقة بالعاصمة عام 1991، وبالتالى فإن الغنوشى بتدخله المباشر فى موضوع الجهاز السرى إنما كان يحاول تبييض واقعه أمام المجتمع التونسى ويؤكد أنه لم تعد للحزب أجهزة سرية منذ 2011، أكثر من ذلك فإن الغنوشى كان يدافع أيضا عن تماسك حزبه فى مواجهة اتهامه بالعنف ولا ننسى أن ثلاثة من كبار قادة النهضة كانوا قد استقالوا منها فور وقوع اعتداء باب السويقة.

وفى التعاطى مع السؤال عن مستقبل علاقة حزبّى النداء والنهضة توجد أكثر من إجابة، الإجابة الأولى تتمثل فى تراجع حدة التوتر فى العلاقة بين الطرفين لأن كلا منهما يحتاج للآخر وله قواعده الشعبية التى تؤيده، ولقد سبق أن فاجأنا الطرفان بتفاهمهما فى أكثر من مناسبة وأنتج هذا التفاهم وثيقة قرطاج الأولى والثانية. والإجابة الأخرى تتمثل على النقيض من ذلك فى القطيعة التامة بين الطرفين، سواء بحل النهضة أو بتجميد نشاطها الحزبى لبضع سنوات، وثمة اقتراحات مطروحة بهذا المعنى لكنها تظل اقتراحات غير واقعية مالم تثبت إدانة النهضة بشكل لا لبس فيه فى قضية الجهاز السري. أما الإجابة الثالثة فتتلخص فى قيام النهضة بسحب البساط من تحت أقدام النداء عبر مساعدة يوسف الشاهد على تشكيل حزب جديد من التكتل البرلمانى الذى يلتف حوله، وهذا احتمال قائم ويتردد الكلام فيه، أما مدى قدرة هذا الحزب على النجاح ومنافسة النداء فتلك قضية أخرى لأن حزب الشاهد فى النهاية لن يكون سوى تجميع لأعضاء خرجوا من أُطر حزبية مختلفة، وهو لن يقدم برنامجا جديدا لأن الشاهد يكرر أنه يتبنى برنامج نداء تونس وأنه لن يفعل إلا تجديد شباب الحزب وإعادة تألقه كما كان فى عام 2012، وهنا يكون السؤال: ماذا منع الشاهد من تنفيذ برنامج نداء تونس الذى كان عضوا فيه ولماذا صارت الأزمة الاقتصادية أكثر استفحالا بعد عامين من وجوده على رأس الحكومة؟ يضاف لما سبق أنه فى حال أرادت النهضة أن يقدم حزب الشاهد مرشحا منافسا للسبسى فى انتخابات الرئاسة المقبلة فستكون هذه مهمة عويصة لأن الأسماء المحيطة به كبيرة وكثير منها طامح فى الرئاسة.

إن الشعب التونسى يفخر بتجربته التى دشنّت حركة تغيير تجاوزت حدود تونس وترامت آثارها شرقا وغربا، وفى عامها الجديد تواجه هذه التجربة سؤالا صعبا بل هو الأصعب على الإطلاق، لكنها كما أوضحت فى مرات سابقة تملك أيضا القدرة على التفاعل بوعى ومسئولية وحذر، وهى قدرة نعّول عليها كثيرا لكن من دون مبالغة.

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة التونسية وسؤال العام الجديد الثورة التونسية وسؤال العام الجديد



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 12:53 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

«طلاء حيوي» يقاوم التآكل والبقع وأشعة الشمس

GMT 07:34 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الافصاح عن بناء أول مزرعة موجية لتوليد الطاقة في بريطانيا

GMT 13:30 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

أفكار جديدة وبيسطة لديكور ركن الصلاة في المنزل

GMT 17:42 2016 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بيكيه يستفز كريستيانو رونالدو ويؤكد أن "البرغوث" من كوكب آخر

GMT 01:00 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

اتحاد الجمباز في بيروت يعلن جوائز بطولة لبنان للذكور

GMT 08:23 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

المرأة تميل إلى السلوك الودي والاجتماعي عكس الرجال

GMT 03:17 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

حرب شعواء تُضرم بين "سي إن إن" و"فوكس نيوز"

GMT 05:58 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

رشا شربتجي تفصح عن طرق التعذيب في سجون سورية

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen