آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى

اليمن اليوم-

تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى

بقلم - محمد السعيد إدريس


كشفت التطورات المتسارعة للأحداث منذ إعلان الرئيس الأمريكى قراره سحب قوات بلاده من سوريا، كما كشفت ردود الفعل المضطربة لكل الأطراف المعنية أو بالتحديد المتورطة فى هذه الأزمة عن حقيقتين مهمتين أولاهما: أن القوات الأمريكية فى سوريا، رغم أنها كانت محدودة العدد والعتاد (2500 عسكرى ومدرب) فإن ثقلها الفعلى والمعنوى كان كبيراً ويفوق بكثير عددها، وأن غيابها سوف يزعزع توازن القوى بين كل هذه الأطراف، ومن ثم بات كل طرف منها معنياً بتحديد مواقع أقدامه الجديدة وإلى أين يمكن أن يتمدد، وما هى أهدافه فى سوريا ابتداءً من الآن.

وثانيتهما أن الأطراف أو القوى الدولية والإقليمية التى استطاعت أن تؤسس شراكة عسكرية- سياسية فيما بينها داخل سوريا وبالتحديد الثلاثي: الروسي- التركي- الإيرانى افتقدت أهم عوامل، أو أهم دوافع ومبررات استمرار تلك الشراكة. وإذا كان هذا هو حال الأطراف التى كانت مناوئة للوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا فإن حال حلفاء واشنطن داخل سوريا لم تكن ردود فعلهم أقل وطأة وبالتحديد إسرائيل والميليشيات الكردية الحليفة للولايات المتحدة «قوات سوريا الديمقراطية».

أفضل من لخص حال هذه الأطراف كان الكاتب الإسرائيلى «أيال زيسر» فى صحيفة «إسرائيل اليوم»، الذى اعتبر أن الانسحاب الأمريكى من سوريا «سيؤدى إلى حرب الكل ضد الكل».

فقد خلص أيال زيسر فى مقاله الذى خصصه للتداعيات المحتملة للانسحاب الأمريكى من سوريا، إلى نتيجة أو خلاصة شديدة المرارة فى تعليقه على حال الميليشيات الكردية التى دربتها وسلحتها واشنطن للقتال ضد «داعش» ثم تركتها دون سابق إنذار معلقة فى الهواء دون حليف قال فيها «لقد استعملهم الأمريكيون وألقوا بهم» وزاد على ذلك بالقول: «القوة العظمى تستخدم حلفاءها عندما تخدم الأمور مصالحها، ولكنها فى الغالب تتركهم لمصيرهم عندما لا تكون لها حاجة بهم».

الإسرائيليون يعيشون الآن هذا الهاجس، وهذا ما اهتم أيال زيسر بالحديث عنه بالإشارة إلى أنه «إذا كانت الولايات المتحدة صديقة وحليفة أولى لإسرائيل، فإن لهذه الصداقة قيودا واضحة، وأنه من الصعب الافتراض بأن الولايات المتحدة ستكون حقاً مستعدة لإرسال قوات لتقاتل إلى جانب إسرائيل إلا إذا كانت هناك مصلحة أمريكية». ولعل هذا الاستنتاج المبكر ربما هو الذى فرض على الإسرائيليين أن يقاتلوا باستماتة من أجل استرجاع الثقة والتنسيق المشترك مع روسيا فى سوريا إلى سابق عهده وتجاوز الآثار السلبية لحادثة سقوط طائرة الاستطلاع الروسية «إيليوشن 29» أمام السواحل السورية التى حمَّلت موسكو إسرائيل مسئولية سقوطها.

وإذا كانت إسرائيل قد بذلت جهوداً ووساطات هائلة من أجل استرجاع التفاهمات السابقة مع روسيا فى سوريا إلى سابق عهدها، فهناك من يؤكدون أن الانسحاب الأمريكى من سوريا ما كان له أن يتم دون تنسيق أمريكي- مع روسيا بخصوص الكثير من الملفات وفى مقدمتها تفاهمات هلسنكى (يوليو 2018) بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين التى تركز على حماية أمن ومصالح إسرائيل من خلال سماح موسكو لإسرائيل بتوجيه ضربات قوية للحشود والمعدات والمواقع الإيرانية ولحلفاء إيران فى سوريا خاصة «حزب الله»، إلى جانب تعهد موسكو بإبعاد القوات الإيرانية وحلفائها بعيداً عن الحدود مع إسرائيل فى هضبة الجولان السورى المحتل لمسافة 100 كم. ويبدو أن إسرائيل نجحت بقوة فى هذا المسعي، فالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا التى وقعت بعد أقل من يومين من إعلان ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، كان من المستحيل أن تحدث دون ضوء أخضر روسي.

وإذا كانت تركيا قد حصلت على تفويض من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للقيام بدور «الوكيل» أو «المعتمد» الجديد لحماية المصالح الأمريكية ومصالح حلفاء واشنطن فى سوريا، ومن ثم يمكن اعتبارها الطرف الفائز من الانسحاب الأمريكي، وأنها بات فى مقدورها أن تعيد حساباتها مع موسكو وأن تؤسس لتفاهمات جديدة تركية- روسية تتقاسم فيها البلدان مناطق النفوذ والسيطرة، كما تتقاسمان مسئولية رسم معالم التسوية السياسية فى سوريا من خلال الدستور الجديد، حسب ما كشفت اجتماعات موسكو الرباعية لوزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا السبت الماضى (29/12/2018) فإن إيران، على ما يبدو هى الطرف الذى أضحى معنياً بدفع الأثمان على عكس الكثير من التوقعات سواء فى علاقتها مع روسيا أو حتى فى علاقتها مع سوريا، وهذا ما يفسر توجسات طهران من قرار الانسحاب الأمريكى فى ظل ما تتوقعه من تفاهمات روسية أمريكية وأخرى روسية- إسرائيلية، وثالثة روسية- تركية وربما روسية مع سوريا تخص وضع دمشق بين خيارين: إما روسيا وإما إيران فى حال وصول العلاقة بين موسكو وطهران إلى مستوى صدام المصالح نتيجة المتغيرات والتفاهمات الجديدة المترتبة على الانسحاب الأمريكي.

لدى إيران توجسات كثيرة من تلك التفاهمات التى جوهرها ملء فراغ الانسحاب الأمريكى واقتسامه بالتحديد بين روسيا وتركيا وإسرائيل. من أبرز هذه التوجسات أن يكون الانسحاب الأمريكى استعداداً لعدوان أمريكى يجرى الإعداد له ضد إيران، أو أن يكون هدفه إخراج إيران من سوريا بناء على تفاهمات روسية- تركية برعاية أمريكية وتحفيز إسرائيلي، أو أن يؤدي، على الأقل، إلى رفع وتيرة الأعمال العسكرية التركية فى شمال سوريا وما يمكن أن يترتب عليه من تأزيم للعلاقات بين الثلاثي: روسيا وتركيا وإيران.

ما يزيد من توجسات طهران موجة العودة العربية إلى سوريا وبالذات من دول عربية على خلاف شديد معها. فطهران تدرك أن هذه العودة هى حتماً محصلة تفاهمات متعددة الأطراف لملء فراغ الانسحاب الأمريكى ، وأنها هى المعنية قبل غيرها بدفع أثمانها.

هل يمكن أن تنسحب إيران من سوريا؟

سؤال شديد التعقيد ويتوقف على ما إذا كان هذا الانسحاب إرادياً أم قسرياً، عندها يمكن أن تكون التداعيات ملتبسة، وربما يكون هذا كله أحد أهم أهداف انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، عندها سيكون ملف العلاقات الإيرانية الروسية أبرز الملفات التى سيفرض على طهران أن تتعامل اضطرارياً معها لمواجهة تطورات درامية فى علاقاتها الإقليمية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 16:15 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

شقيقة الفنان الراحل رشدي أباظة تتحدث عن حياته في "مساء الفن"

GMT 22:50 2016 الخميس ,11 آب / أغسطس

الألوان الزيتية والمائية

GMT 09:48 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أفضل الملابس المتماشية مع رحلات الكريسماس

GMT 18:53 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

أحمد خليفة مديرًا فنيًا لمنتخب الجودو للمرة الثانية

GMT 17:20 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أسطورة "ليفربول" الإنجليزي جيمي كاراغر يُشيد بثنائي "تشيلسي"

GMT 22:40 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

فيلم the nun حديث مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 05:50 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

نمران صغيران يقتلان حارسًا في حديقة حيوان في الهند

GMT 06:13 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

إليك أفضل المتاجر الخاصة لمُحبّي هدايا عيد الميلاد

GMT 23:00 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

مشجعو ريال مدريد يختارون أفضل 6 لاعبين في تاريخ النادي

GMT 18:45 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

طرق إزالة بقع الدم عن الملابس بخطوات بسيطة

GMT 06:56 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

السعودية تعلن فرض رسومًا إضافية على العمالة الأجنبية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen