آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

الوجود الروسي في سوريا: الأهداف المعلنة وغير المعلنة

اليمن اليوم-

الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة

أمير طاهري - اليمن اليوم

أي متابع للمشهد السياسي داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيلحظ شعوًرا سائًدا بالحرج الغاضب إزاء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سحب القوات من سوريا»٬ الذي يمثل أحدث الحيل التي أخرجها من جعبة الخدع السحرية لديه. والواضح أن طهران ودمشق ليس لديهما أدنى فكرة عن كيفية التكيف مع هذه المفاجأة.

في كلا البلدين٬ اضطرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة للانتظار عدة ساعات قبل الإعلان عن القرار الذي اتخذه بوتين٬ وحتى لدى الإعلان عن الخبر جاءت صياغته متحفظة. وفجأة٬ بدا كل الحديث عن الحلف الروسي ­ الإيراني الذي يعمل في تناغم لدحض «الإرهابيين» داخل سوريا ويقصي الولايات المتحدة وحلفاءها بالشرق الأوسط٬ أشبه بمجرد ثرثرة طفولية.

ومع ذلك٬ فإن البعض منا كان مدرًكا منذ اللحظة الأولى أن تدخل بوتين في سوريا لم يكن من أجل عيون الأسد ولا آيات الله٬ وإنما من أجل مصالحه الخاصة فحسب. وهذا تحديًدا ما كتبته في عمود نشرته هذه الصحيفة بتاريخ 30 أكتوبر (تشرين الأول) ٬2015 وذكرت في مقالي أنه٬ «في اللحظة الراهنة٬ لا يمكن لأحد معرفة على وجه اليقين أين سينتهي التدخل الروسي في سوريا٬ ذلك أن خوض الحروب غالًبا ما يكون سهلاً٬ بينما دائًما ما يكون الخروج عسيًرا.

وإذا اعتمدنا على التصريحات الصادرة من موسكو٬ سنجد أن الهدف الروسي هو الحيلولة دون سقوط الرئيس بشار الأسد المحاصر. وبغض النظر عن مدى إمكانية تحقيق هذا الهدف
فعلًيا٬ فإنه من الأفضل للأسد عدم الثقة بمثل هذه الاحتمالية».

وعلى امتداد الجزء الباقي من المقال٬ استعرضت أمثلة للخيانة الروسية في التعامل مع حلفاء «أنقذتهم» موسكو أو حتى فرضتهم على بلادهم٬ ثم تخلت عنهم بكل بساطة.

من جهته٬ أعلن بوتين عدًدا من الأهداف وراء تدخله في سوريا. وتدعي حاشيته أنه عندما بعث قواته الجوية لقصف حلب٬ كان الأسد على وشك الانهيار٬ حيث كان قابًعا داخل ملاذه الدمشقي٬ عاجًزا عن استعادة أي من المناطق التي فقد السيطرة عليها٬ في الوقت الذي كان أعداؤه عاجزين فيه عن الاستيلاء على آخر معاقله.

ومع ذلك٬ فإن تدخل بوتين لم يمنح الأسد بوليصة تأمين على الحياة ­ حقيقة انعكست على التصريحات الروسية الأخيرة حول أن موسكو غير ملتزمة بالضرورة بإطالة فترة بقاء نظام الأسد. من جانبه٬ شدد ألكسندر بورتنيكوف٬ رئيس خدمة الأمن الاتحادية الروسي٬ على أن تدخل بلاده في سوريا لم يكن بهدف دعم الأسد٬ وإنما «محاربة الإرهاب». وكثيًرا ما أشار بوتين والمحيطون به إلى «هزيمة وتدمير الإرهاب» في سوريا باعتباره هدفهم. إلا أن ذلك أيًضا لم يتحقق.

في الواقع٬ لم تقم موسكو بأي تحرك ضد تنظيم داعش٬ الذي احتفظ بكامل المناطق التي يسيطر عليها داخل سوريا٬ ولم يتكبد خسائر إلا بالعراق. من جهته٬ اعترف نيكولاي بانوف٬ نائب وزير الدفاع٬ الثلاثاء٬ بأنه «ما يزال من المبكر للغاية الحديث عن الانتصار على الإرهاب».

في المقابل٬ شنت روسيا غارات قصف بالغة الوحشية ضد الجماعات الأخرى المسلحة المناهضة للأسد٬ بما في ذلك التي يفترض أنها جزء من عملية التفاوض.لاوحتى على هذا الصعيد٬ لم تفلح روسيا إلا في إلحاق أضرار طفيفة بـ«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وما يزيد على عشرين جماعة مسلحة أخرى٬ ما ترك سوريا في صورة خليط من «إمارات» متباينة تتمتع كل منها باستقلال ذاتي.

أما الهدف الثالث المعلن لروسيا٬ وإن كان لم يجر التصريح به سوى همًسا٬ فهو تحويل حقوق إرساء السفن التي تحظى بها داخل ميناء طرطوس السوري المطل على البحر المتوسط٬ إلى قاعدة جوية ­ بحرية دائمة. وقد أخفق بوتين في تحقيق هذا الهدف أيًضا.

ويكمن السبب وراء هذا الإخفاق في أن القاعدة المعرضة طيلة الوقت لهجمات من المنطقة الخلفية لها٬ لا تحمل أهمية استراتيجية تذكر. في إطار حرب كبرى تشارك بها قوى كبرى من حلف «الناتو»٬ فإن البحرية الروسية ستضطر للتفاوض للمرور عبر الكثير من المضايق في طريقها من بحر أزوف وجزيرة القرم٬ مروًرا بالبحر الأسود٬ ووصولاً إلى بحر إيجه٬ قبل الدخول إلى البحر المتوسط والاستقرار في طرطوس. أما في إطار الحروب غير المتكافئة٬ فإنه قد تصعب حماية طرطوس٬ ناهيك عن الاستعانة بها كنقطة انطلاق رئيسية بأي من المواجهات الاستراتيجية.

بمعنى آخر٬ مني بوتين بالفشل في تحقيق أي من الأهداف الثلاثة التي أعلنها لدى إرساله قواته الجوية إلى سوريا التي حولت أجزاء منها إلى تلال من الركام والحطام أثارت في ذاكرة المرء مشاهد غروزني أو كابل بعد القصف الروسي. في خضم ذلك٬ سقط على يديه آلاف القتلى من المدنيين السوريين٬ وتسبب في دفع أكثر من 100.000 آخرين إلى الفرار من ديارهم.
والملاحظ أن روسيا ذاتها تكبدت خسائر فادحة٬ بينها 700 قتيل على الأقل بينهم جميع ركاب وأفراد طاقم طائرة نفاثة أسقطها إرهابيو «داعش».

كما أصيب مئاتآخرون٬ بعضهم يعاني من إصابات خطيرة. وبذلك يتضح أن التدخل الروسي لم يفلح في تحقيق أي مكاسب ملموسة لموسكو أو أي طرف آخر على الأرض.

الآن٬ ماذا عن الميزات غير الملموسة التي ربما حققتها سياسة بوتين لروسيا؟ بالتأكيد ساعد تدخل بوتين في سوريا على نسيان الجميع مع جرى في القرم٬ على الأقل في الوقت الراهن. وبفضل فن تبديل عناوين الصحف الرئيسية٬ نسي الرأي العام العالمي الحيل التي مارستها روسيا ضد استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها.

كما لم يعد أحد يتذكر أن روسيا ما تزال تحتل 25 في المائة من أراضي جورجيا.

كما ساعد التدخل في سوريا بوتين على الترويج لنفسه باعتباره قائًدا قوًيا على استعداد لحماية حلفاء موسكو٬ على النقيض من باراك أوباما الضعيف الذي تخصص في طعن حلفاء بلاده في الظهر.

من بين الأهداف الأخرى غير المعلنة الأخرى وراء التدخل الروسي في سوريا رغبة بوتين في إبطاء٬ إن لم يكن وقف٬ مسيرة طهران نحو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة في أعقاب ما يطلق عليه الاتفاق النووي. وقد أعطى تدخل بوتين في سوريا للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية٬ علي خامنئي٬ فرصة التسويق لاستراتيجيته القائمة على فكرة «التطلع شرًقا»٬ في مواجهة التوجه الداعم للانفتاح على الولايات المتحدة الذي يتزعمه فصيل رفسنجاني المنافس.

وداخل سوريا ذاتها٬ ربما حمل تدخل بوتين وراءه هدًفا آخر غير معلن: تجديد الاتصال المباشر بالمؤسسة العسكرية السورية على المستويات المتوسطة والعليا. يذكر أن معظم القادة العسكريين السوريين تلقوا تدريبهم بالاتحاد السوفياتي السابق٬ لكن فقدوا الاتصال بموسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ووفرت الأشهر الستة الأخيرة لروسيا فرصة تجديد الاتصال معهم٬ وبالتالي كسب صوت مهم في تقرير الشكل المستقبلي لسوريا٬ إذا ما نجحت الدولة المنهارة في جمع أشلائها مجدًدا.

ومما سبق يتضح أنه رغم إخفاق بوتين في تحقيق أهدافه المعلنة٬ فإنه ربما نجح في تحقيق ­ على الأقل ­ بعض الأهداف الأخرى غير المعلنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة الوجود الروسي في سوريا الأهداف المعلنة وغير المعلنة



GMT 05:13 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«شيك أب» آذاري عن حال الديمقراطية!

GMT 05:08 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الفلسطينيون كشفوا زيف اسرائيل

GMT 07:01 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

خطران يتهددان العالم العربي إيران والإخوان

GMT 06:43 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

القضيّة الفلسطينيّة: لا هذا ولا ذاك!

GMT 06:34 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عيون وآذان ( الوضع في سورية من سيء الى أسوأ)
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 01:20 2016 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة مي عز الدين تشبّه والدتها بالحياة والأكل والشرب

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 10:15 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رامي جمال يحيي حفلًا غنائيًا في الفيوم 5 آذار

GMT 22:48 2016 الخميس ,05 أيار / مايو

طريقة عمل بلح بالبشاميل

GMT 20:39 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

النجم محمد رمضان يظهر في شخصيتين خلال فيلمه الجديد "الكنز"

GMT 00:56 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

الفنان أحمد الفيشاوي يرفض الرد على الشائعات

GMT 00:57 2017 الخميس ,13 تموز / يوليو

هيفاء وهبي تنسحب من بطولة فيلم "ثانية واحدة"

GMT 05:36 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

علماء يكشفون السبب الرئيسي لبدانة الأطفال

GMT 12:11 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

طرد الأهلي يجعل من النني أسطورة في أرسنال

GMT 04:04 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

دراسة تكشف أن الملح غير مسؤول عن ضغط الدم

GMT 19:33 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

هواوي تطلق سلسلة هواتف Y Series 2018 فى الأسواق المصرية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen