آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة

اليمن اليوم-

في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة

بقلم/ حازم صاغية

مشكلة المرشّح الرئاسيّ الفرنسيّ إيمانويل ماكرون كمشكلة هيلاري كلينتون، وجزئيّاً باراك أوباما، من قبل: إنّها الجمع بين التقدّميّة في الجانب الاجتماعيّ والثقافيّ، أي في مسائل العنصريّة والنسويّة والجنسويّة، والمحافظة في الشقّ الاقتصاديّ، أي في العدالة وتوزيع الثروة.

هذا الانفصال، الذي يتهدّد اليوم الوعي اليساريّ المعهود، الممزّق حاليّاً بين التقدّميّة الاجتماعيّة والتقدّميّة الاقتصاديّة، يفصح عن مشكلة اللحظة الراهنة من التطوّر الاقتصادي والثقافي في آن. هكذا نلحظ، مثلاً، مبالغات في التقدّميّة الاجتماعية من أجل الالتفاف على الموضوع الاقتصاديّ وتجاهله. وهذا سينيكيّ بما فيه الكفاية. كذلك نلحظ مبالغات في التقدّميّة الاقتصاديّة تنتهي بأصحابها إلى شعبويّة تضعهم جنباً إلى جنب القوميّين والعنصريّين من كلّ صنف. وهذا رجعيّ بما فيه الكفاية.

في فرنسا، تبدو المشكلة أكثر حدّة من سواها من البلدان الغربيّة المتقدّمة: فعلى الجبهة الاقتصاديّة ذاتها نواجه ازدواجاً مُرّاً: الفقر والبطالة، لا سيّما في الضواحي وفي المناطق الصناعيّة التي نفقت، أعلى من المعدّل الوسطيّ في البلدان المشابهة. في المقابل، فالتقدّم التقنيّ ومستوى الإنتاجيّة أدنى من المعدّل الوسطيّ، ومعهما تكلّس بيروقراطيّ في التشريع المتعلّق بالعمالة وسوق العمل. الشطر الأوّل من المعادلة يستدعي الإنفاق على البرامج الاجتماعيّة وخلق فرص العمل، خصوصاً للشبيبة. الشطر الثاني منها يستدعي طمأنة الرساميل وخفص القيود على حركتها من أجل أن تستثمر. التوفيق بين الشطرين صعب.

هذه الصعوبة هي ما يقول ماكرون إنّه سيتغلّب عليها ببطء وبتدريج وبانتقائيّة. قد ينجح وقد لا ينجح. قد ينوي ذلك جدّيّاً وقد لا ينوي.

ما سبق ينبّه إلى مسألة بات من الصعب القفز فوقها: إنّ عالمنا بات أشدّ تعقيداً بلا قياس ممّا تفترضه الإجابة الواحدة الجازمة والناجزة. أمّا الذين يقدّمون هذه الإجابة، واثقين من أنّهم وضعوا يدهم على الحقيقة، فهم، في أحسن أحوالهم، كذّابون. في أسوأها، نصّابون. وهم، غالباً، ورثة تقاليد ريفيّة ودينيّة معلمنة.

لقد شهدنا على مدى القرن العشرين ما يكفي من تجارب قال أصحابها، بألسنة مختلفة، إنّهم يملكون هذه الإجابة القاطعة. هذا ما قالته الشيوعيّة. هذا ما قالته الفاشيّة. التجربتان انتهتا إلى كارثتين هيوليّتين. أخيراً، قال دونالد ترامب شيئاً من هذا القبيل. النتيجة كانت اعتذارات متوالية عمّا سبق أن قاله. إنّه، بعد التحليق في سماء الأوهام، يعيد الانتشار المتعثّر على أرض الواقع.

ما من شكّ في أنّ أوضاعاً كهذه، انتقاليّة ومعقّدة وغير مُفكّرة من قبل، تتطلّب الكثير من التجريب. وإيمانويل ماكرون يقول، بلغته وبطريقته، إنّه سيجرّب. وهذا بالطبع لا يكفي، لأنّ هذه البراءة الحياديّة حيال الأيديولوجيّات والتيّارات القديمة لا تلغي احتمالات الانحياز المسبق، إمّا بسبب خلفيّة طبقيّة أو بسبب خلفيّة فكريّة أو للسببين معاً.
مع هذا، يبقى أنّ الإجابة الجازمة هي دائماً الأخطر. ومارين لوبن، مثلها مثل جان لوك ميلونشون، صاحبة إجابة جازمة، واحدة ونهائيّة. لهذا نرى سيّدة اليمين الأقصى تبحث عمّا هو مشترك بين برنامجها وبرنامج سيّد اليسار الأقصى. والحال أنّ المشترك هو بالضبط أنّ الاثنين يتجنّبان التعقيد القاهر والمُلحّ معتمدين إجابة بسيطة وخلاصيّة مفادها الهرب من هذا الواقع.

وقد يقال بحقّ إنّ الحيرة والتجريب لا يملكان الطاقة التعبويّة التي يملكها كذب الإجابة الواحدة الجازمة. وهذا سيّء بما فيه الكفاية في وصف درجة التقدّم والذكاء التي أحرزتها إنسانيّتنا.

إلاّ أنّ المؤكّد أنّ الحيرة والتجريب أشبه بالواقع وأكثر مطابقة لتعقيده. وهذا ما يجعلهما، في ظلّ الرقابة الديموقراطيّة، أقدر على اختراقه وتغييره. وفي هذا المعنى، سيكون الأحد المقبل، بين ما سيكونه، اختياراً بين عقلين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة



GMT 10:16 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إضراب فرنسا

GMT 02:29 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

تعديل العلمانية!

GMT 12:34 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

في فرنسا... أنا غاضب إذن أنا موجود

GMT 00:21 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

لا أحد قادر على دفع فاتورة الحرب

GMT 01:24 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

نظرية المؤامرة تظهر فى فرنسا
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen