آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

انتخابات إيران ونموذج «الشيطان الأكبر»

اليمن اليوم-

انتخابات إيران ونموذج «الشيطان الأكبر»

بقلم / حازم صاغية

لم يخطئ الذين قالوا أنّ العالم اليوم موحّد كما لم يكن مرّةً من قبل، ومفتّت كما لم يكن مرّة من قبل.
إيران تقدّم لنا بعض أبرز الأمثلة: النظام الخمينيّ، منذ قيامه في 1979، يطوّر نموذجاً يصفه بأنّه خاصّ.

 هذه هي المحاولة الرابعة الكبرى في القرن العشرين لتطوير «نموذج خاصّ»: البلشفيّة الروسيّة منذ 1917، وبعدها بقليل الفاشيّة الألمانيّة – الإيطاليّة (على ما يداخلها من تباين وفوارق)، ثمّ الماويّة الصينيّة ذات «الثورة الثقافيّة»، والتي تفرّعت أصلاً عن الشيوعيّة. خصوصيّة إيران الإسلاميّة وصل بها العداء للنموذج «العامّ»، أي الديموقراطيّ الغربيّ، إلى حدّ استحضار الجنّ والعفاريت في وصفه: أميركا «شيطان أكبر».

مع هذا الاتّجاه الخصوصيّ، تواطأ مثقّفون وأكاديميّون في فرنسا، ثمّ في الولايات المتّحدة وبريطانيا. «النسبيّة الثقافيّة» ومناهضة «الاستشراق» كانتا صرختي حربهم الضروس ضدّ النموذج العامّ. بعض أسوأ المأخوذين بالخصوصيّة والعداء العنصريّ المقلوب لـ «الرجل الأبيض» طالبوا بتأميم الجامعة الأميركيّة في بيروت. هكذا، تصبح مثل الجامعة اللبنانيّة، جامعتنا. هكذا، تغدو خاصّة مثلنا.

لكنّ الخصوصيّة تفترض تعريفاً أنّ هناك نموذجاً عامّاً هو الذي تسعى إلى التمايز عنه، والتمايز عن العامّ ليس مهمّة سهلة ما دام أنّه... عامّ. يضاعف الصعوبة أنّ ذاك النموذج العامّ لا يُفرض على أحد بالقوّة. العلاقة هنا كعلاقة السوق: السلع تُعرض للمشترين ولغير الراغبين في الشراء. الاستثناء العراقيّ في 2003 ثمّ الإقلاع السريع عنه يؤكّدان تلك القاعدة. فوق ذلك، فالتجارب الثلاث السابقة في تحدّيه، البلشفيّة والفاشيّة والماويّة، كلّها لا تشجّع. حصائلها كانت كارثيّة.

لكنْ بالعودة إلى إيران، يتبدّى استعدادها لانتخابات يوم الجمعة المقبل واحداً من الأمور الكثيرة «الغربيّة» جدّاً في ذاك البلد. هنا، لا نتحدّث عن ثقافة الشبيبة الموصوفة بالتأمرك الشديد، والتي تعيش بخليط من التقيّة والتحدّي العلنيّ، خارج المحيط الأيديولوجيّ للنظام. إنّنا نتحدّث عن النظام ذاته.

فلوهلة قد يتبادر إلى الذهن أنّ الأزمة الراهنة للديموقراطيّة الليبراليّة، والفضيحة التي ألحقها بها انتخاب ترامب، فرصة للنظام الإيرانيّ كي يعفي نفسه من تقنيّة الانتخابات الغربيّة، وكي يذهب أبعد في تعزيز خصوصيّته. الدستور والقوانين، بل الانتخابات ذاتها، وهي كلّها غربيّة، صالحة للتخلّي عنها بذريعة ترامب وتعثّر الديموقراطيّة في الغرب. لكنْ لا، ذاك أنّ إيران تعتمد أيضاً، وليس للمرّة الأولى، تقنيّة المناظرات الانتخابيّة التي ينقلها التلفزيون. يقف المرشّحون الخصوصيّون الستّة تماماً كما يقف «الرجال البيض» العموميّون ممّن يترشّحون للانتخابات الأميركيّة. يتناظرون مثلما يتناظرون. بعد ذاك يتناظر الاثنان الأوفر حظّاً، واللذان يُرجّح أن يكونا حسن روحاني وإبراهيم رئيسي. في الأمر تقليد قِرديّ لا تخطئه العين. حتّى الاتّهامات بالفساد والكذب وتلفيق المعلومات التي تقاذفها وسيتقاذفها مرشّحو الرئاسة تحاكي مثيلتها في الولايات المتّحدة. أكثر من هذا، يتبدّى أنّ الجهر ببعض القضايا التي أثيرت في المناظرات الإيرانيّة، وبعض الحدّة التي شابتها، أملاهما السعي إلى تقليد ما يحصل في أميركا! الأمر يشبه متحمّساً للطبّ العربيّ لا يقصد، حين يمرض، إلّا طبيباً متخرّجاً في شيكاغو.

هل الخصوصيّة، إذاً، خرافة محضة أو زعم لا أساس له من الواقع؟ بالطبع لا. ففي إيران، وكما نعرف جيّداً، يخضع المرشّحون لعمليّات تصفية لا يبقى بنتيجتها إلّا الراسخون في الولاء للنظام والوليّ الفقيه.

 أمّا المناظرات فلا تطاول الثوابت والمقدّسات. إنّها تطاول هوامش السلطة والعقيدة. فالخصوصيّة، بلغة أخرى، ليست سوى تمكين القبضة الحديد للحكم ومرشده على أنفاس الإيرانيّين. إنّها تقنيّة النظام في تسمين ذاته، مثلها مثل مبدأ «السيادة الوطنيّة» حين يُطبّق بوصفه عدم تدخّل خارجيّ في قتل الحاكم المحلّيّ لشعبه.

هذه الخصوصيّة، وما تزعمه لنفسها من «أصالة»، أقصر الطرق إلى الطغيان. هذا هي مساهمتها في الحضارة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات إيران ونموذج «الشيطان الأكبر» انتخابات إيران ونموذج «الشيطان الأكبر»



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen