آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

هامش ترامبي: الحنين مقابل الأمل

اليمن اليوم-

هامش ترامبي الحنين مقابل الأمل

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

لئن كشف انتخاب دونالد ترامب عن الضعف الذي بات يعانيه اليوم النظام الديموقراطي، بل الحضارة الديموقراطية، فإن خطبتي هيلاري كلينتون وباراك أوباما، تسليماً بالهزيمة وتمهيداً لانتقال سلس للسلطة، تكشفان قوة النظام والحضارة هذين.

والحال أن الديموقراطية تجمع بين الضعف والقوة على نحو مدهش: ذاك أن في وسع ديماغوجيٍّ كدونالد ترامب أن يهدّدها، وفي وسع ديماغوجي كأدولف هتلر أن يُسقطها. لكن في وسعها أن تنتصر في حربين عالميتين، وأن تقضي تباعاً على إمبراطوريتين توتاليتاريتين مدججتين بالعبودية الحديثة، النازية والشيوعية.

ونشهد راهناً لعبة القوة والضعف وهي تستخدم مرادفات كثيرة في عدادها ما أسماه المؤرخ مارك ليلا ثنائية الأمل والحنين. ذاك أن المتمسكين بالديموقراطية والمعولين عليها يأملون بدخول المستقبل، مع ما يحف بهذه العملية من تحويل إلى الدارج والمألوف: كيف تتعادل في الحقوق المرأة والرجل، كيف يتغير وضع الفقير والمهمش، كيف تتقارب الشعوب بالتجارة والمثاقفة وتهزل الحدود الفاصلة بينها، وكيف تُخلط الأديان والقوميات والإثنيات في مصنع يُنتج الإنسان سلعةً أرفع من باقي السلع وأعلى من الأصول التي شكّلته؟

وهو أمل ينطوي على مغامرة كبرى، إذ لا الخلاص المضمون متوافر ولا الطرق إلى المستقبل معبّدة. وهذا ما يردّ عليه أهل الحنين بالعودة إلى الماضي، فعلياً كان أو متوهماً، والتمسك بالدارج والمألوف اللذين يُتهم الليبراليون والكوزموبوليتيون بالتآمر عليهما. هكذا يعد دونالد ترامب بـ «إعادة أميركا عظيمة» كما يعد أبو بكر البغدادي بـ «خلافة» رشيدة، بحيث يرجع كل شيء إلى ما يُفترض أنه حاله الأولى وما كان عليه: المرأة إلى بيت الطاعة، واللاجئ إلى حيث جاء، والقوميون إلى ينابيعهم وأسباب فرادتهم، والبيض بيض والسود سود، فيما بين البشر والبشر لا تعلو إلا الحواجز والجدران...

لكنّ الحنين لا يقل قوة عن الأمل، وأقوى أسلحته البرم بالحاضر وخفة الانجذاب إلى بديل. فحين يتبدى أن الذاهبين إلى المستقبل، على جناح الأمل، سيذهبون وحدهم، تاركين الملايين في البؤس، يتحول الحنين إلى طاقة تدمر الديموقراطية وتدمر الحضارة أيضاً.

 وهذا، بالضبط، ما حدث بعد سقوط «المعسكر الاشتراكي» وشعور النيوليبراليين بأنهم تحرروا من كل منافسة تُلزمهم باستحضار أفضل ما فيهم. عند ذاك بدأ تفكيك دولة الرفاه التي سبق أن أملاها التنافس مع الأنظمة الشيوعية، وتكشّف الجشع الذي جعله الثراء الهائل للعولمة فلكياً في أبعاده وقدراته وأرقامه، وصار في وسع نصّاب كبرلوسكوني أن يحكم بلداً كإيطاليا.

أما ترامب، الذي صوت له الفقراء البيض، فجاء بـ «برنامج» يخفض الضرائب عن الأغنياء. ومن طريق سيطرة حزبه على أكثرية المجلسين، النواب والشيوخ، سيحول المحكمة العليا مصدراً لتشريعات بالغة الرجعية في مسائل الأخلاق والجنس والدين. بهذا، فإن معركة الأمل والحنين ستحتدم في ظل الرئيس الأميركي الجديد فيما تعز الأدوات التي تتيح خوضها بكفاءة وفاعلية.

لقد ظهرت الاشتراكية الديموقراطية في أوروبا لتستدرك ضعف المسألة الاجتماعية في الفكر الديموقراطي، السياسي والدستوري، بمقدار ما تستدرك ضعف الحس «الحُرّيّ» والديموقراطيّ في الفكر الاشتراكيّ. والبائس، اليوم، أن هذا العلاج، الذي يبقى بين أرقى ما أنتجته الأفكار السياسية، يعاني احتضاراً لا يشبهه إلا احتضار أحزابه.

وفي معمعة الأفكار والتكهنات الكثيرة، وفيما العقل مثخن بجراح القيم الساقطة التي أحرزت انتصاراً مؤزّراً في أبرز معاقله، يُرجح أن يعيش العالم أربع سنوات حاسمة جداً ومثيرة جداً من صراع الأمل والحنين، ومن طلب المستقبل والنكوص إلى الماضي، ومن قوة الديموقراطية وضعفها. لكنّ ما يمكن قوله بثقة أن توسيع قاعدة المستفيدين من الحاضر، أو تضييقها، يبقيان العنصر التقريري الأهم في المواجهة هذه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هامش ترامبي الحنين مقابل الأمل هامش ترامبي الحنين مقابل الأمل



GMT 13:32 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

احتراماً لـ«جمهور المقاومة»

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

المشرق العربيّ: الانهيار وقد اكتمل!

GMT 12:04 2020 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

مطلوب: مدحت باشا لبنانيّ

GMT 04:54 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عن مسارات «الزعامة» في لبنان

GMT 10:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الكريم قاسم وطريق الوطنيّة الصعب في العراق
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 07:46 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفضل الأماكن لقضاء شهر العسل في سيرلانكا

GMT 04:34 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

ابتعدي عن الألوان الكلاسيكية في حجرة نومك

GMT 10:06 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فوائد زيت الزيتون للعناية بالبشرة

GMT 22:07 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبد العزيز تشيد بالثقة المتبادلة مع جمهورها
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen