آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء

اليمن اليوم-

إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء

بقلم - غسان شربل

لا نعرف كيف استقبل أبو بكر البغدادي السنة الجديدة في مخبئه. أغلب الظن أنه يحاول الاستعداد للثأر. «دولته» العتيدة تبخرت تحت ضربات أطراف كثيرة، في مقدمها التحالف الذي قادته الولايات المتحدة. تأكد بما لا يقبل الشك أن الإرهاب يُشطب من المعادلة حين يقيم تحت عنوان معروف. لهذا بدا رهانه واضحاً في الفترة الأخيرة على الذئاب المنفردة. تبخرت «الدولة» وقتل الكثير من إرهابيّيها. قسم آخر بدأ رحلة البحث عن ساحة أخرى طازجة. القسم الثالث بات محاصراً وينتظر مصيره المعروف. ذهبت أيام المواكب التي تجتاز تحت راياتها خط الحدود السورية - العراقية، التي ألغاها «داعش». وذهبت أيام الاستيلاء على مدن وآبار وحقول. وذهبت أيام حز الأعناق لتنشغل بها الشاشات.
هذا لا يعني أبداً أن «داعش» لم يعد تنظيماً خطراً. لكن الأكيد هو أن «داعش» لم يعد الموضوع الأول في الشرق الأوسط المريض، ولم يعد الخطر الأول. كشفت المغامرة الدموية للتنظيم أن المنطقة تختزن كماً هائلاً من النزاعات المشتعلة والكامنة، وأن الشرق الأوسط يعبر مرحلة انهيارات وتحولات، وأن عوامل التفجير لا تقتصر على التحرشات بين الخرائط، بل تتعداها إلى داخل الخرائط التي تعيش غالباً في ظل غياب مفزع للمؤسسات وصمامات الأمان.
منطقة تجتاز سلسلة صعبة من المنعطفات الحادة، ولا تجد فكرة ترشد، ولا عصا موثوقة تتوكأ عليها. مرحلة ضباب ودم وخوف وغموض وأزمات حدود ووجود وسكاكين شحذها التاريخ، وأخرى تستعد. حروب أدوار، وحروب حقوق، وحروب استئثار، وحروب هويات. بقرت مغامرة «داعش» أحشاء هذا العجوز الذي نسميه الشرق الأوسط، فتدفقت الأهوال. أزمة علاقة بالعصر وقاموسه في ظل تمسك لافت بقواميس لا تصلح لزمن الثورة الصناعية الرابعة والأجيال الجديدة من ثورة الاتصالات. وأزمة تعايش بين خرائط يعتبرها أصحابها ثوباً ضيقاً مفروضاً. وأزمة تعايش داخل الخرائط نفسها بسبب ميل مزمن إلى اللون الواحد واعتبار كل اختلاف تهديداً يستحق الشطب.
لا مبالغة في اعتبار إقليم الشرق الأوسط إقليماً منكوباً. منكوب بالفقر والبطالة والفساد وغياب الدولة الطبيعية والثقافة الرحبة للعيش. منكوب بشهيات قديمة لدول تزعم أن التاريخ عاقبها وقلّصها وحاصرها داخل ما تسمى حدودها الدولية. ومنكوب بتعليم ينتمي إلى زمن انقضى، وجامعات تخرج متمرسين في المرارات ومشاعر الإحباط. منكوب بالظلم الذي لا يقتصر على الفلسطينيين والأكراد. وبالذين يبحثون عن أمنهم خارج حدودهم، وبتهديد سيادة جيرانهم وأمنهم. منكوب أيضاً بعلاقة متوترة مع العالم، فإما الصدام المكلف، وإما الإحباط الباهظ. ومنكوب بمتعة الحروب الصغيرة والأوهام الكبيرة وافتقار فكرة التقدم إلى الشعبية والجاذبية.
ليس بسيطاً على الإطلاق ما شهدناه ولا نزال. دارت على أرض سوريا سلسلة من الحروب، وبعضها لا يعد بنهاية قريبة. لقد شاهدنا حرباً بين سوريين معارضين وسوريين موالين. ثم شاهدنا سوريا تتحول جرحاً مفتوحاً تدفق إليه المتطرفون والإرهابيون، وهكذا اتخذ النزاع الدائر هناك منحى آخر. شاهدنا كل أنواع التدخلات في دولة انهار استقرارها واستبيحت حدودها.
شاهدنا إيران تتقدم للدفاع عما تعتبره الحلقة السورية في الهلال الإيراني. حلقة حيوية تضمن لإيران المرابطة على جبهة أخرى من جبهات النزاع العربي - الإسرائيلي، وتشكل المعبر الذي لا بدَّ منه لإيصال الصواريخ إلى «حزب الله» اللبناني. أرسلت إيران «مستشاريها» وميليشياتها. اجتذب التدخل الإيراني مزيداً من التدخلات المضادة حين اعتبرت سوريا المسرح الأول لمجابهة مذهبية أو إقليمية.
لم يلتفت كثيرون إلى خصوصية التركيبة السورية والفروقات بين الجيش السوري ونظيريه في مصر وتونس ووقعوا في خطأ التقدير أنها مجرد حلقة جديدة من «الربيع العربي» ستتمخض عن نتائج مشابهة.
وفي خضم الصراع، رفض باراك أوباما الانخراط في النزاع السوري ليلة الحديث عن انتهاك «الخط الأحمر» في موضوع الكيماوي. أعطى الانطباع أن أميركا لا ترى في سوريا ما يستحق إنفاق دم الأميركيين وبلايينهم. في المقابل كانت لفلاديمير بوتين حسابات أخرى. رأى في الجرح السوري فرصة للتقدم خطوة جديدة في الانقلاب الذي يقوده ضد ما يسميه تفرد الولايات المتحدة في شؤون العالم. لبوتين حساب صعب مع «الربيع العربي» كان لا بدَّ من تصفيته. تدخل الجيش الروسي، وأنقذ النظام السوري، وبدأ فصل جديد من النزاعات على الأرض السورية. لم تقتصر حرب بوتين على مواجهة «داعش» وإخوته، بل شملت أيضاً المنظمات المعارضة، مع فصل خاص باستهداف المقاتلين الوافدين من الجمهوريات التي مزقت العباءة السوفياتية وفرّت منها.
تركيا التي فتحت الحدود أمام المتشددين الراغبين في محاربة نظام الرئيس بشار الأسد استدرجها التفكك السوري لاحقاً، أو كان بين الأعذار التي لجأت إليها. أرسلت جيشها إلى داخل الأراضي السورية لإجهاض حلم الأكراد بما يشبه الإقليم، ولتكون حاضرة إلى أي طاولة ستقرر لاحقاً مستقبل سوريا.
أميركا ترمب رابطت في شرق الفرات مع حلفاء غربيين. واصلت مواجهة «داعش» وتعزيز قدرات الأكراد، وتطلعت إلى إقامة قدر من التوازن مع الوجود العسكري الروسي صاحب القرار الأول في دمشق. إسرائيل بدورها شنت حرباً متواصلة على ما سمته محاولة إيران إنشاء بنية عسكرية دائمة في سوريا. وفي موازاة ذلك مزق ترمب الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، وأعاد طهران إلى زمن العقوبات. الأمر الذي زاد الالتهاب في اليمن، وأنعش التوتر في العراق.
لا الطبيب الروسي يملك حلاً كاملاً بمفرده، ولا الطبيب الأميركي يملكه. تدخلات الطبيب الإيراني تفاقم حالة المريض، والأمر نفسه بالنسبة إلى الطبيب التركي. فوق هذا المشهد المكتظ بالحروب والأطباء يجول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لتبديد الانطباع أن قرار ترمب يعني ترك الإقليم المنكوب لمصيره. مهمة استثنائية لبومبيو تشمل توزيع الأفكار والتعهدات، فضلاً عن الضمانات والضمادات.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:05 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أشهر مصمّمي الأزياء وأكثرهم شهرة عالمية في مصر

GMT 13:24 2021 الإثنين ,28 حزيران / يونيو

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة وجذابة في إيطاليا

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 06:56 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرسيدس" تُقدِّم سيارة تتغلَّب على الطّرق الوعرة

GMT 22:22 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

انخفاض حركة المسافرين في مطار مراكش بنسبة 12, 2%

GMT 08:55 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

"التجاري وفابنك" في صدارة البنوك في شمال أفريقيا

GMT 10:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض سلامة يعلن أساليب حماية السيولة النقدية

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

هبة مجدي تكشف عن سر عدم تواجدها في دراما رمضان

GMT 04:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

عشر نصائح لشعر صحي للدكتورة هدى خالد القضاة

GMT 12:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تبوك تحدد موعد التقديم الإلكتروني على برامج الماجستير

GMT 08:20 2016 الأحد ,26 حزيران / يونيو

محشي كوسا على الطريقة السورية

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طرح دواء جديد من القنب لعلاج الصرع عند الأطفال
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen