آخر تحديث GMT 07:01:18
اليمن اليوم-

في ذكري نجيب محفوظ

اليمن اليوم-

في ذكري نجيب محفوظ

بقلم - نيفين مسعد

كأن اسم نجيب محفوظ أيقونة للحظ السعيد فما من أحد حمله إلا نبغ، يستوي في ذلك أن يدخل ميخائيل على هذا الاسم حيث نصير أمام أسطورة طب النساء والولادة في مصر والعالم الدكتور نجيب ميخائيل محفوظ، أو ينتهي الاسم بإبراهيم فنكون إزاء أديب نوبل والروائي العربي الأشهر نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم. وُلِد أديبنا على يد نجيب باشا محفوظ وسُمّيَ على اسمه فكان له حظ وافر من إبداع الطبيب الكبير وإن يكن في مجال غير المجال. بدت الولادة صعبة وحياة الأم وجنينها في خطر لكن النطاسي الأريب كان لها فتلقف سميّه بمهارة فائقة وتلاقى النجيبان للمرة الأولى. حمل الطبيب مشروعا إنسانيا رفيعا في مجال تخصصه الدقيق لكنه حارب أيضا وباء الكوليرا في صعيد مصر، وحمل الكاتب مشروعا فكريا متكاملا عاموده الرواية هذا صحيح لكن روافعه تنوعت من القصة قصيرة إلى الشعر المنثور إلى السيناريو إلى المقال. وماذا بعد من أوجه المقارنة بين النجيبين؟ في حضرة المحترم صاحب نوبل لا بأس من إعمال بعض الخيال، ومما يوحي به الخيال أن تلاقى الجذعين المسلم والمسيحي في لحظة ميلاد كاتبنا الكبير ربما ساهم دون وعي في تشكيل شخصيته، ثم إذا به وقد نضج وعيه وتبلورت خياراته اختار أن يكون وفديا صميما، وليس أكثر من الوفد دفاعا عن وحدة نسيج الأمة. 
***

يقودنا المدخل السابق إلى مناقشة علاقة أدب نجيب محفوظ بالسياسة، وهي علاقة لم يكن منها ثمة فكاك فالمرحلة التاريخية التي عاصرها الأستاذ شهدت تأسيس حزب الوفد وتتويج سعد زغلول زعيما للحركة الوطنية المصرية. أحب محفوظ سعدا كما لم يحب سياسيا سواه واستدعاه في أدبه بكثافة كما لم يستدع غيره، سار محفوظ في ركاب واحدة من المظاهرات الحاشدة التي كانت تصطخب بها مصر في أعقاب الحرب العالمية الأولى وحاول أن يصل إلى بيت الأمة ليفوز برؤية زعيمه وزعيمها فلم ينجح، فالأستاذ لا يزاحم. هكذا لم ير محفوظ سعدا، ولا أصبح عضوا في حزب الوفد على عكس عميد الأدب العربي طه حسين الذي انخرط في حزب الأحرار الدستوريين مثلا ، لكنه -أي محفوظ- ظل وفيا لقيمة الليبرالية التي هي القيمة الأسمى لدى حزب الوفد، وتسبب هذا الوفاء لاحقا في انتقاده ثورة يوليو. غريبة علاقة محفوظ بثورة يوليو، فالأصل في الثورة أنها تفجر طاقة الإبداع فما بال هذه الثورة تُوقِف نهر روايته لبضع سنوات؟ هو كصاحب مشروع للتغيير المجتمعي كان يحارب الظلم بالقدر نفسه الذي كان يدافع فيه عن الحرية، وعندما قامت ثورة يوليو وانتصرت للطبقات المطحونة- التي خرجت منها نفيسة في بداية ونهاية وإحسان في القاهرة الجديدة وحميدة في زقاق المدق وزُهرة في ميرامار - بدا له وكأنه لم يعد لديه ما يقول وأن كل ما ينشده للمجتمع أجملته الثورة في أهدافها الستة، ثم تأكد أن طريقه كطريق صابر سيد سيد الرحيمي مازال طويلا بل طويلا جدا، فهناك شيء ما يحتاج دائما أن يبحث عنه وهناك شيء ما يحتاج دائما أن يتأكد أصلا أنه موجود. هكذا سيظل ينتقل نجيب محفوظ في أدبه من سؤال إلى سؤال ولدراسة الفلسفة تأثير واضح في هذا الخصوص، وستظل أعماله لها قراءتان إحداهما مباشرة والأخرى مستترة وجميعها تخالطه السياسة فكل معاني الفساد والانتهازية والانكسار والعبث ستجد انعكاسا اجتماعيا /سياسيا لها في روايات عديدة منها السمان والخريف وثرثرة فوق النيل. 
***

ولعل السؤال الذي يقفز هنا إلى الذهن هو التالي: إذا كانت أعمال نجيب محفوظ معجونة بالسياسة على هذا النحو فلماذا لم يمارس السياسة العملية؟ طرحتُ هذا السؤال على نعيم صبري الكاتب الكبير ورفيق حامل نوبل سنين عددا فقال إن الأستاذ ( لم يذكر أبدا اسم نجيب محفوظ مجردا من لقب أستاذ خلال حديثنا) كان يرى نفسه أديبا.. أديبا فقط، الكتابة حياته وحياته في الكتابة فإن هو أمسك القلم وأخذ يكتب فليس يحول بينه وبين الورق حائل. هذا الإخلاص التام للأدب عبّر عنه الناقد سيد محمود بجملة منقولة عن محفوظ شخصيا كان يعتبر بها نفسه "شغّالا عند الكتابة" ! وياله من تعبير بديع . يمكن الذهاب بهذا التحليل خطوة أبعد للقول بما أن الكتابة بأفقها الرحب كانت هي ساحة محفوظ ، وبما أن أدبه كان فيه شيء من كل شيء بالتالي فإن وَصْفَه بأنه كان كاتبا سياسيا -ورغم كثافة حضور السياسة في أعماله - تصنيف غير محيط لأنه يقل عن حجمه ويضيق عن مقاسه، وهو على أي حال لم يشأ ممارسة الكتابة السياسية الصريحة كي لا يستنزف جهده في صراعات لا تناسب طبعه، ولعل أكبر أزمة واجهته من هذا النوع هي أزمة رواية ثرثرة فوق النيل حيث كان التلميح السياسي فيها يرقى لمستوى التصريح لكنها كانت أزمة قصيرة المدى، أما أزمة رواية أولاد حارتنا فشأنها مختلف واللغط حولها أيضا، ومما يقال بخصوص هذه الرواية إن محفوظا بعد الضجة التي أثارها أولاد حارتنا أعاد صياغتها في قالب يتقبله المجتمع أكثر فكانت رواية الحرافيش.
***

يأتي شهر ديسمبر وتحل ذكرى مولد نجيب محفوظ وبعد شهور قليلة تحل مئوية ثورة ١٩١٩، هذه الثورة التي راقب كاتبنا أحداثها من نافذة بيت القاضي وألهمته بعض خيوط الثلاثية التي هي أحد أهم أعماله الأدبية حتى أن كثيرين يلقّبونه بكاتب الثلاثية، ومن يومها لم يغلق نجيب أبدا نافذته المفتوحة لا على ثورة ١٩١٩ ولا على رموزها ومبادئها وإن انتقل من بيت لبيت ومن حي لآخر، فتحية له ولها في ذكراهما.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ذكري نجيب محفوظ في ذكري نجيب محفوظ



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 22:40 2021 السبت ,17 تموز / يوليو

كيف يتعامل كل برج من الأبراج مع الطلاق

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 19:04 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود السرنجاوي يؤكد حاجة "الزهور" لعموميته وأعضاءه حاليًا

GMT 15:02 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

الجيش يسقط طائرة حوثية مسيرة في محافظة حجة

GMT 05:44 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

النجمة سيرين عبد النور تتحدث عن جنس مولودها الذي تنتظره

GMT 12:55 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أنطوان غريزمان يؤكد شغفه في متابعة كرة السلة الأميركية

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ورشة عمل حول تطوير التعليم العالى في جامعة الفيوم

GMT 16:43 2017 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

إصلاحات جديدة في الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم

GMT 22:06 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الإعلان عن منح دراسية في الجامعات العراقية

GMT 10:24 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

بروسيا دورتموند يفتقد غوتزه أمام ريال مدريد

GMT 16:56 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

البرتغالي مورينيو يحضّر النجم بول بوغبا لمفاجأة تشيلسي

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

العلماء يجدون 7 أنواع جديدة من الضفادع الليلية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen